تجددت أعمال الشغب والمواجهات ليل الأربعاء- الخميس في مدينة معان جنوب الأردن، بين محتجين وقوات الدرك، بعد ساعات على تشييع جنازة شاب قال وجهاء المدينة القبلية إنه قتل على يد السلطات. وأضرم المئات النار في مبان حكومية وبنوك وسيارات تابعة للشرطة، كما ألقوا الحجارة وإطارات السيارات المشتعلة داخل الشوارع الرئيسية، واضرمت جماعات اخرى من الشبان الغاضبين الملثمين النار في المحكمة المحلية. وقال شهود عيان لـ"الحياة" إن "اشتباكات مسلحة عنيفة لا تكاد تنقطع بين الدرك والمحتجين". وقال أحد وجهاء المدينة ويدعى أكرم كريشان إن "الاشتباكات المسلحة بين الدرك والمحتجين هي الأعنف على الإطلاق، منذ أن سيطر الغضب والتوتر على المدينة". وأضاف لـ"الحياة": "المؤكد أن هناك جرحى وربما قتلى .. الصورة غير واضحة بعد، لكن هناك إعطاب لآليات الدرك والشرطة المرابطة قرب المؤسسات والدوائر الرسمية". واعتبر كريشان أن "الذي زاد الطين بلة، هو التهديد الذي صدر على لسان وزير الداخلية حسين المجالي لشيوخ وأعيان المدينة، بأن تعزيزات أمنية مكثفة في طريقها لاقتحام معان صباح الخميس". ونقل عن الوزير قوله "ليس أمامنا خيار إلا اقتحام المدينة مع حلول صباح الخميس". وحاولت "الحياة" التواصل مع الحكومة، لكن من دون جدوى. غير أن وكالة عمون الإخبارية الأردنية، نقلت عن مصدر أمني قوله إن "ممتلكات عامة تعرضت للاعتداء، وتدخل الدرك على إثرها لتطويق تداعيات الشغب، الذي تجدد احتجاجا على حملة أمنية دخلت حيز التنفيذ مساء الثلثاء". وقال شهاد آخر لـ"الحياة" إن "قوات الدرك تطلق الغاز المدمع بكثافة لتفريق محتجين". واندلعت أعمال عنف غير مسبوقة في معان، بعد إعلان السلطات مساء الثلثاء مقتل شاب خلال مطاردات نفذتها قوات الدرك، بحثا عن "مطلوبين". وسيطر التوتر والغضب على المدينة منذ الأحد الماضي، إثر إصابة عنصرين يتبعان لقوات الدرك برصاص أطلق عليهم قرب المحكمة الرئيسية هناك. وواصل محتجون في المدينة الصحراوية إضرام النار داخل مبان حكومية وسيارات تابعة للشرطة، ما دفع الحكومة إلى إرسال تعزيزات أمنية إلى المنطقة لاستعادة النظام. وأحرق مئات المحتجين ظهر الأربعاء، برج الاتصالات، ومبان تابعة لمؤسسة الاتصالات وسط معان. وكان لافتاً التواجد الأمني الكثيف في محيط المقرات الأمنية وبعض المؤسسات الرسمية، فيما خلت من ذلك معظم شوارع المدينة. وأكد مسؤولون أمنيون تجدد الاضطرابات، واستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع، لتفريق المئات الذين هاجموا ممتلكات حكومية. وأوضحوا أن قوات الدرك اعتقلت عددا من الأشخاص، المتهمين بإثارة الشغب. ولم تعلق الحكومة على الأحداث، لكن مصدراً أمنياً مسؤولاً قال لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن "بعض الأشخاص في معان عمدوا على مدى اليومين الماضيين إلى إغلاق الطرق العامة أمام الدوريات الأمنية، أثناء قيامها بواجبها الرسمي". وأوضح أن "قوة أمنية تعاملت معهم، من أجل فتح الطريق أمام المارة". وقال المصدر إن "بعض الأشخاص بادروا مساء الثلثاء إلى إطلاق النار من أسلحة كانت بحوزتهم في اتجاه أفراد من الدرك، ما اضطر القوة للرد بالمثل على مصادر تلك النيران". وتزامن التوتر في معان مع حلول ذكرى "هبّة نيسان"، التي شهدت احتجاجات شعبية عارمة في نيسان (أبريل) 1989 داخل المدينة ذاتها، وقادت إلى إلغاء الأحكام العرفية، وعودة الحياة الديموقراطية إلى البلاد. استنفار التيار السلفي وأفاد نشطاء في المدينة، أن الشاب الذي قضى أثناء تواجده مصادفة في مكان الاشتباكات ينتمي إلى التيار السلفي الجهادي، ويدعي قصي الإمامي، ويبلغ من العمر 19 سنة. والإمامي هو ثامن مواطن يقضي في غضون عام، خلال اشتباكات لا تكاد تهدأ بين قوات الدرك ومحتجين. وقال أحد نشطاء المدينة ويدعى صالح أبو طويلة لـ"الحياة" إن "أعضاء التيار السلفي الجهادي مستنفرون، ويتوجهون إلى منزل الفقيد". وأضاف أن "التيار بدأ يعمل على تعبئة الشباب ويحرضهم ضد الأجهزة الأمنية، من خلال الرسائل النصيّة ومواقع التواصل الاجتماعي". وكانت المدينة التي تعاني الفقر والتهميش مسرحا لاضطرابات مدنية شابتها أعمال عنف خلال السنوات الأخيرة، وينشط بين سكانها منذ فترة طويلة إسلاميون يتبنون فكر تنظيم القاعدة، يحمل العديد منهم اسلحة ويقاومون ضغوطا لالقاء السلاح. وقال زعيم السلفيين الجهادين في معان، محمد الشلبي، الشهير بـ"أبو سياف" إن "قصي الإمامي قتل على يد قوات النظام، والمطلوب أولا هو إعلان الأشخاص الذين أطلقوا عليه الرصاص". وأضاف لـ"الحياة" أن "هناك استياء كبيراً في اوساط الشباب المنتمين إلى التيار... ما جرى لن يمر مرور الكرام". إضراب عام ودخلت المدينة في إضراب عام عن العمل منذ صباح الأربعاء، حيث أغلقت غالبية المقار الحكومية والخاصة أبوابها، إضافة إلى البنوك التجارية ومراكز الاتصالات والمدارس. وكان لافتا انضمام جامعة الحسين إلى الإضراب، حيث تغيب المدرسون والطلاب عن المحاضرات، كما امتنعت باصات الجامعة ومركباتها عن العمل. وقال موظف في إحدى الدوائر الحكومية إن "العصيان المدني شمل كل القطاعات باستثناء المخابز... المدينة تحولت إلى مدينة أشباح.. لا يوجد في الشوارع إلا المحتجين وقوات الدرك التي تتمركز عند المؤسسات الرسمية، وتنفذ مطاردات بين الفينة والأخرى". وقال آخر إن "أعمال الكر والفر بين المحتجين والدرك لا تتوقف... الجو العام متوتر والتصعيد مستمر". وكان رئيس المجلس المحلي في معان ماجد الشراري، أعلن الحداد مدة ثلاثة أيام احتجاجا على مقتل الشاب، واتهم في بيان قوات الأمن بممارسة "إجراءات همجية بربرية ووحشية". كما اتهم وزير الداخلية حسين المجالي وعدداً من القيادات الأمنية بالضلوع في ما سماها "المؤامرة التي تحاك ضد معان". وقال لـ"الحياة" إن "وجهاء معان يطالبون بتشكيل لجنة مشتركة يشرف عليها الملك، لبحث التجاوزات التي ارتكبتها الأجهزة الرسمية خلال عام كامل بحق المدينة وأبنائها". وأضاف "المطلوب في شكل سريع، إقالة الحكومة المحلية ووزير الداخلية"، معتبرا أن "التوتر والاحتقان يسيطران على الشارع، ولا أحد يعرف النتائج". وأضاف: "المؤامرة على معان تستهدف المملكة وقيادتها، وعلى العاهل الأردني أن يعيد النظر في البطانة التي حوله". يذكر أن معان معقل قبلي يسكنها نحو 60 الف شخص، وتقع على بعد نحو 250 كيلومترا جنوب عمان، ويعرف عنها تحدّيها السلطة المركزية. معانالاردنالتيار السلفي الجهادي في الاردنالاردن اضرابات