×
محافظة المنطقة الشرقية

شركة التصنيع الوطنيّة تكشف عن الوظائف الشاغرة في الرياض والجبيل

صورة الخبر

في أعقاب الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 وبعد فشل الولايات المتحدة بقيادة الرئيس السابق جورج بوش الابن في العثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق، التي كانت الحجة الرئيسية لغزوه، عقب الفشل في الحصول على قرار من مجلس الأمن يتيح ذلك، أطلقت إدارة بوش سياسة جديدة أطلقت عليها «Freedom Agenda» أي أجندة الحرية، بمعنى أن سياسة الولايات المتحدة التي تهدف الى نشر الحرية والديموقراطية عبر العالم، وإزاحة الديكتاتور صدام حسين كانت جزءاً من هذه الأجندة، لا سيما أنه منع العراقيين من الحصول على حرياتهم السياسية والشخصية والاقتصادية. ومع فشل الغزو الأميركي للعراق في تحويل هذا البلد إلى «واحة للديموقراطية» في المنطقة العربية كما وعد مسؤولو الإدارة الأميركية حينها، حصلت انتكاسة فكرية ومعرفية هائلة في حجم الدراسات الغربية عن المنطقة العربية التي أصبحت تتهم هذه المنطقة بالفوات التاريخي وبعدم القدرة على الدخول في العصر، فضلاً عن إطلاق الكثير من الأحكام القيمية كممانعة الثقافة العربية أو الإسلام عن المصالحة مع الفكرة الديموقراطية. ويمكن التذكير هنا بموضوع غلاف مجلة «تايم» الأميركية في ذلك الحين، والذي وصفت فيه المنطقة العربية بأنها آخر حصون الممانعة والمقاومة للفكرة الديموقراطية في العالم، من دون أي ذكر بالطبع لمنطقتي آسيا الوسطى أو جنوب شرق آسيا. مع بدء الثورات العربية انقلبت هذه النظريات رأساً على عقب، لكن السؤال الذي دار حينها كان: هل ستتجاوب الإدارة الأميركية الجديدة حينها أي إدارة أوباما مع هذه التغييرات؟ وهل يمكن القول إن سياسة أميركية جديدة بدأت تنشأ بعد التغيرات التاريخية والدراماتيكية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بعد الربيع العربي؟ أم أن السياسة الأميركية حافظت على ثباتها واستقرارها وتركيزها على الثوابت الرئيسية التي طبعت سياستها تجاه المنطقة في فترة ما قبل 11 سبتمبر؟ الإجابة ببساطة هي لا. إذاً، ما هي الأسباب الداخلية والإقليمية التي منعت الولايات المتحدة من تطوير سياستها كي تتواكب مع التغيرات العميقة المتمثلة في الثورات الشعبية التي لم تشهدها المنطقة العربية من قبل خلال تاريخها الحديث والتي فتحت أفقاً جديداً أمام مستقبل المجتمعات العربية وكان لها أن تفتح فرصاً جديدة للعلاقات العربية الأميركية لو استطاعت إدارة اوباما الاستجابة للقوى الجديدة الناشئة في المنطقة؟ طبعاً تجب العودة إلى الأسس والمبادئ الرئيسية التي حكمت إدارة الرئيس أوباما في سياسته الخارجية وموقع الشرق الأوسط منها، وإرث السياسة الخارجية الثقيل الذي ورثه من إدارة الرئيس بوش متمثلة في حربي أفغانستان والعراق. ففي النهاية كانت هذه المحددات هي التي حكمت رؤية أوباما وشجعته على انتهاج سياسة انعزالية تجاه الشرق الأوسط أدت في النهاية إلى تحول الربيع العربي إلى خريف بحكم عوامل عدة أهمها عدم رغبة الأنظمة القديمة في المساعدة على ولادة أنظمة ديموقراطية جديدة. ودخلت ثلاث من دول الربيع العربي في حروب أهلية لا تبدو لها نهاية قريبة في سورية واليمن وليبيا، كما تصاعد الفشل في العراق وانتهى إلى حرب أهلية طاحنة. لكن بالرغم من كل هذا الفشل وتصاعد التفجيرات الإرهابية في معظم هذه المدن، نلاحظ تزايداً في تأييد الفكرة الديموقراطية في المنطقة العربية، كما أظهر مؤشر المركز العربي للبحوث ودراسة السياسات في استطلاعه الأخير للرأي العام، وقد أجري المسح في 12 بلداً عربياً، من بينها موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس ومصر والسودان وفلسطين ولبنان والأردن والعراق والمملكة العربية السعودية والكويت. وتعتمد منهجية الدراسة الاستقصائية التي أجريت منذ عام 2012 على المقابلات الشخصية وجهاً لوجه مع 18310 مستجيبين يمثلون بلدانهم. لقد قدّم 89 في المئة من المستجيبين تعريفاً ذات محتوى للفكرة الديموقراطية، كما أن 33 في المئة من مواطني المنطقة العربيّة عرّفوا الديموقراطية بأنّها ضمان للحريات السياسيّة والمدنيّة. وأفاد 26 في المئة منهم بأنّ الديموقراطيّة هي ضمان المساواة والعدل بين المواطنين، وعرّف 6 في المئة الديموقراطية بأنها ضمان الأمن والاستقرار، وقال 7 في المئة أنها تسهم في تحسين الأوضاع الاقتصاديّة. كما أن أكثر من 72 في المئة من الرأيِ العام العربي يؤيدون النظام الديموقراطي في مقابل معارضة 22 في المئة. كما أن الرأي العام يعتبر النظام الديموقراطي هو النظام الأكثر ملاءمَةً لكي يكون نظامَ حكمٍ في بلدانهم، مقارنةً بأنظمةٍ أخرى، ويرفض الرأي العام نظام الحكم السلطوي والأنظمة التنافسية التي تقتصر على أحزاب بعينها (سواء كانت هذه الأحزاب دينية أم غير دينية). كما أن 54 في المئة من المستجيبين في المنطقة العربيّة يقبلون بوصول حزبٍ سياسيّ لا يتّفقون معه إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، مقابل 40 في المئة أفادوا بأنّهم لا يقبلون بذلك. ولما كان الاستطلاع يجرى في شكل سنوي ويكرر الأسئلة ذاتها تقريباً، فإنه يعطينا فرصة نادرة لمقارنة تأييد الرأي العام العربي للفكرة الديموقراطية مع تغير الظروف السياسية والأمنية المحيطة بكل بلد من هذه البلدان، ونلاحظ أن التأييد الأكبر للفكرة الديموقراطية كان في عام 2013 (68 في المئة) بالرغم من بداية التدهور في مراحل الانتقال في كل من سورية وليبيا وارتفع أيضاً في عام 2016 حيث وصل إلى 72 في المئة بالرغم من ظهور تنظيمات إرهابية كـ «داعش» الذي استغل الفراغ الأمني في كل من سورية والعراق. وبذلك يمكن القول أن الإيمان العربي بالفكرة الديموقراطية هو الأعلى وأن كل محاولات الأنظمة السياسية التسلطية تشويه هذه الفكرة عبر الإعلام أم عبر الممارسات السياسية منيت بالهزيمة، فما زال العرب يطمحون إلى العيش في ظل نظام سياسي ديموقراطي، وهو ما يضع مسؤولية أكبر على الديموقراطيين العرب لتقديم سياسات اقتصادية وأمنية تتجاوب مع الأمل العربي في الديموقراطية ولا تمثل انتكاسة لها. وعليه لم يعد من المهم كثيراً إذا كانت السياسة الأميركية تدعم الفكرة الديموقراطية أم لا، وبالتأكيد لا تمثل هذه السياسة أولوية بالنسبة الى إدارة دونالد ترامب. لكن الرأي العام العربي قادر على الدفع بالفكرة الديموقراطية. ويمثل نجاح التجربة التونسية في الانتقال الديموقراطي إحدى ثمار النضج الديموقراطي الذي عكسه هذا الاستطلاع للرأي العام العربي.     * كاتب سوري وباحث في المركز العربي – واشنطن