قد يكون البرنامج التلفزيوني البريطاني «مابت شو» الشهير في السبعينات وصولا إلى أوائل الثمانينات، هو من يقف مبدئيا وراء انتشار ظاهرة الشخصيات الافتراضية حاليا، على وسائل التواصل الاجتماعي والدمى المتحركة في برامج التلفزيون الساخرة. اللافت حاليا ازدهار هذه الظاهرة بشكل كبير في العالم العربي، ولا سيما في مصر ولبنان، وبينها الدميتان «أبلة فاهيتا» و«جام» والشخصيتان الافتراضيتان على وسائل التواصل الاجتماعي «عديلة» و«موتورة» وغيرها. ويرجّح أن تكون الأولى (أبلة فاهيتا) هي من فتحت شهيّة بعض معدّي البرامج التلفزيونية وكذلك الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي للحاق بظاهرة الشخصيات الوهمية لتقوم بمهمّة الانتقاد الساخر تحت مظلّة آمنة. فهي تؤمّن لها مساحة كبيرة من الجرأة وحرية التعبير في أدائها تحت غطاء «الدمى» أو الرسوم، ومهما بلغت طبيعة الانتقادات الصادرة عن شخصية من هذا النوع فإنّها تبقى مرتبطة ارتباطا وثيقا بما نسميّه في مجتمعنا بالعامية «اللعبة». وعادة ما لا تؤخذ أقوال الدمى على محمل الجدّ، خصوصا أننا كنّا جميعنا، نتحدّث إلى ألعابنا أثناء مرحلة الطفولة، ولم يكن أحد يعلّق أهمية على الأمر، لا من أهلنا ولا من أصدقائنا، بل كانوا يعتبرون الأمر بديهيا في مثل هذه المرحلة العمرية، ونوعا من التفتّح الاجتماعي والتطوّر اللذين نمارسهما في ذلك العمر. المهمّ في الموضوع أنّ تلك الشخصيات تحظى بمتابعة كبيرة من المشاهد التلفزيوني وكذلك من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث يفوق عدد متابعي الشخصية الافتراضية اللبنانية «عديلة» مليون شخص وكذلك بالنسبة لـ«موتورة». فيما يفوق عدد متابعي الدمية «أبلة فاهيتا» المصرية، على صفحة «فيسبوك» الإلكترونية، الملايين. ومؤخرا استعان المخرج اللبناني عصام بو خالد على المسرح بدمية لتروي مآسينا الصغيرة والكبيرة، وتثير فينا الضحك، وتحرضنا على السخرية في عمله المسرحي الذي سماه «مأساتي». وما لا يعرفه كثيرون هو أنّ الجنس الخشن (الرجال)، وراء تلك الشخصيات في الواقع، على الرغم من استعارتها لأسماء أنثوية لتأدية المهمة. فوراء شخصية «أبلة فاهيتا» المحببة بشكل كبير إلى قلوب المصريين، يقف الشاب المصري حاتم الكاشف الذي درس المسرح في مصر ليسافر بعدها إلى أميركا حيث أكمل تحصيله الدراسي الفنّي في إحدى جامعاتها. وهو صاحب الفكرة والصوت ومحرّك الدمية «العروسة»، كما يسمّونها في مصر. ومنذ أول ظهور رسمي لها في عام 2011، شغلت هذه الدمية الرأي العام المصري والعربي معا، (إذ سبقها إطلالات على موقع «يوتيوب» عبر قناة استحدثها مع صديقه شادي عبد اللطيف في عام 2010 كان اسمها قناة «أنروب»). يومها أطلّت الشخصية في إعلان تلفزيوني لشركة (فودافون) على قناة (الفراعين) المصرية، يحكي عن تقدّم شاب بشكوى إلى النيابة العامة المصرية، يتّهم فيها الدمية (فاهيتا) بالتحضير لعمل إرهابي. ومنذ تلك اللحظة قامت الدنيا ولم تقعد في مصر، بعدما وقع المشاهدون في حبّ الدمية مما دفع بصاحبها إلى تقديم برنامج تلفزيوني حمل اسم الدمية المذكورة وليصبح اليوم من أهم برامج قناة «سي بي سي» المصرية (أبلة فاهيتا لايف من الدوبلكس)، حاصدا شهرة واسعة وصلت إلى حدّ استمراره لخمسة مواسم متتالية. وتسببت شهرة هذا البرنامج في إيقاف برامج حوارية لعدد كبير من الإعلاميين في مصر الذين كانوا يقدّمون برامج مشابهة لـ(أبلة فاهيتا)، ولكن بشخصيّتهم الواقعية. وحسب ما يتردد فإنّ من يعرف حاتم، يصفه بصاحب الشخصية الخجولة، وبأنّه شاب طموح وفنان من الطراز الأول. كما يشاع بأنّ محطة «سي بي سي» تفرض عليه التصرّف بسرية تامة وبعدم الكشف عن أنّه مجسّد الشخصية المذكورة، إذ إنّها ترغب في أن تصبح «أبلة فاهيتا» بمثابة شخصية حقيقية يتفاعل معها المشاهد على الرغم من طبيعتها الافتراضية. ومن الشخصيات الافتراضية التي تلقى شهرة واسعة في لبنان ولا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعدما اتّخذت منها منبرا لها «عديلة» و«موتورة». فهاتان الشخصيتان اللتان أخذتا على عاتقهما توجيه انتقاداتهما الساخرة لأي حدث اجتماعي وفني وسياسي وبيئي وغيره يجري على أرض لبنان، ويطال أحيانا كثيرة أخبارا عالمية، أصبحتا بين ليلة وضحاها الشغل الشاغل لدى شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين من مختلف الشرائح الاجتماعية والأعمار. كما استطاعتا أن تفتحا خطوط تواصل مباشرة مع فنانين وسياسيين وفعّاليات مختلفة من خلال الردود المباشرة التي تتلقاها كل منهما عبر صفحات وحسابات خاصة بهما. ويقف أيضا وراء تلك الشخصيتين شابان لبنانيان في الثلاثينات من عمرهما، تربط بينهما علاقة صداقة قديمة وزمالة دراسية على الرغم من أنّهما لم يتخصصا في المجال نفسه (هندسة وزراعة). هما أيضا اتبّعا التكتّم والسريّة حول هويّتهما، بحيث يرفضان الكشف عنها أو الظهور في إطلالات إعلامية للتحدّث عنها. استوحت «عديلة» اسمها من المغنية العالمية آديل، مطلقة على نفسها لقب «كوكب الغرب» تيمنا بلقب «كوكب الشرق» الذي اشتهرت به الراحلة أم كلثوم. واستحدثت صورة كرتونية للفنانة البريطانية لتعرّف من خلالها شخصيّتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي (إنستغرام وفيسبوك وتويتر) التي تستخدمها لممارسة مهمّتها الانتقادية. وهي تلعب دور الإعلامية الساخرة التي تسمح لنفسها بمنتجة فيديوهات وصور فوتوغرافية لمشاهير السياسة والفن في لبنان، والتعليق عليها بسخرية أحيانا وبكلام إيجابي أحيانا أخرى، مستدرجة بذلك أسماء لامعة في المجالين، لم تتوان عن التفاعل معها من خلال ردود مباشرة لها، كتبتها على موقعي «عديلة» و«موتورة». وهذا ما حصل بالفعل مع الفنانة نوال الزغبي عندما باركت لها «عديلة» في عيد ميلادها مستوضحة إياها إذا ما بلغت الـ25 أو الـ28 من عمرها. فردّت عليها الفنانة اللبنانية عبر حسابها الخاص على صفحة «تويتر» تقول: «هاهاها شكرا عديلة يا مهضومة، مش معقول شو ذكية كيف عرفتي عمري؟» كما تناولت مرة أخرى وصلة غنائية للمغنية أصالة وقطعتها بمشهد تكسير صحون عندما بلغت المغنية على طريقة السوبرانو أقصى درجات الصراخ في موّال لها. فيما اكتفت بإرفاق صورة عن (ليفة استحمام) زهرية لصورة ترتدي فيها المغنية أحلام قماش فستان يشبهها. أمّا «موتورة» فقد اتخّذت شكلا خارجيا مناقضا تماما لصديقتها «عديلة» الشقراء، ترجمتها بصورة رسم مصور لامرأة وهمية سمراء ذات شعر أسود (كاريه مع غرّة)، تضع على أظافرها الطلاء الأحمر. وكتبت تعرّف صفحتها الإلكترونية بأنّها فنيّة واجتماعية وسياسية... «موتورة» مثل صاحبتها المتوتّرة.