×
محافظة الرياض

«البلاد» يقدم خدمات مصرفية لذوي الاحتياجات الخاصة

صورة الخبر

للفيلم نكهة مميزة تكاد تشم رائحة البهارات المختلفة والفلفل المجفف والطازج وتكاد تشعر بطعم الخبز المنزلي المخلوط ببعض من السمن، نكهة الفيلم تتجاوز الأكلات اليومية التي تعدها الزوجة في مطبخها الصغير كي تنتقل عبر رحلة يومية بالقطار والأقدام و"البسكليتة/ العجلة" حتى تصل لمكان عمل الزوج. الفيلم يتحدث عن أهم مشكلة إنسانية وهي الشعور بالوحدة أو لنقل الانقطاع عن الآخرين والرغبة في التواصل معهم. صور إنسانية مختلفة تجدها متجمعة أمام الشخصيتين الرئيسيتين "السيد فرناندوز" رجل في منتصف العمر أرمل يقضي حياته في العمل وعلى وشك التقاعد الذي سينقله لمدينة أخرى. و"إيلا" ربة منزل في مقتبل العمر لديها طفلة وزوج مشغول بعمله. تبدأ الحكاية حين تصل سلة الغداء التي جهزتها "ايلا" للسيد فرنادوز بالخطأ والذي يلتهم الطعام بأكمله وحين يعيد عامل التوصيل حقيبة الغذاء فارغة تظن الزوجة فرحة أن زوجها أعجب بطعامها فتنتظر منه كلمة ثناء تسحبها منه بروتينية لتكتشف انه تناول طعاماً غير الذي أعدته وتعرف أن هناك خطأ في توصيل الطعام. في اليوم التالي تبعث برسالة مع الطعام للرجل المجهول الذي يجيب برسالة من جملة واحدة عن مقدار الملح في الطعام. وتبدأ الرسائل اليومية والتي تتحدث عن أمور كثيرة، عن انتحار أخيها، مرض أبيها، موت زوجته، الوحدة، المشاركة التواصل، أحداث اليوم، أغنية في فيلم، نغمة موسيقية أو ذكريات طفولة. كمشاهد تنتظر تفاصيل الرسالة مع كل مشهد لأنها تنقلك إلى حكمة المتأمل في شخص مثل السيد فرنادوز وعفوية الشباب في شخصية "ايلا". شخصيات أخرى مهمة في الفيلم أولها الجارة التي تناديها ايلا بخالتي والتي لا نرى منها إلا سلة تتدلى من الشباك ونسمع صوتها وهي تتحدث مع "ايلا" لكن نعرف حكايتها كاملة وحالة زوجها المصاب بغيبوبة ومراعاتها له وتلك العلاقة بينه وبين "المروحة" الهوائية في السقف والتي تعتقد زوجته أنها تساعده على إبقاء عينيه مفتوحتين. وأيضا هناك "شيخ" هذا المتدرب الجديد المقطوع من شجرة والذي سيأخذ مكان السيد فرنادوز بعد تقاعده والذي يفرض نفسه وحضوره في حياة السيد فرناندوز لدرجة انه يطلب منه أن يكون معه في يوم زفافه لأنه ليس لديه أقرباء أو أصحاب يحضرون زفافه. نماذج إنسانية مختلفة عذبة لطيفة في حضورها على الشاشة حتى في أصعب المواقف وأكثرها حزناً. ليس من السهل تجسيد فكرة مثل هذه بدون الدخول في رتابة السرد أو بطء الحوار لكن الفيلم نجح في تفادي كل ذلك، نجح في صناعة الشخصية بكل أبعادها ونجح أيضاً في تصوير المدينة بكل ألوانها وتموجاتها وأصواتها من خلال حركة السيارات لعب الأطفال تحرك العمال وأغانيهم في الرحلة اليومية لنقل صناديق الطعام وفي زحام القطارات وفي أحاديث الموظفين المجتمعين في رحلة الذهاب والعودة. مشاهد قوية لعل من أهمها حين يتحدث السيد فرنادوز عن رائحة "جده" وكيف اكتشف فجأة انه تحول لجده وانه كبر في السن. جملة رائعة علقت في ذهني حين قال في إحدى رسائله" لا يعود للذكريات مكان فننساها حين لا نجد أحداً نقصها عليه". قصة وأداء وإخراج فيلم ذي وقع جميل.