في حقبة الرئيس دونالد ترامب بات العالم يعرف السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة أكثر من وزير الخارجية الأميركي.العرب سالم الكتبي [نُشر في 2017/04/26، العدد: 10614، ص(6)] اعتاد المراقبون والمهتمون والقراء في العالم على أن شخصية وزير الخارجية الأميركي باعتباره صاحب المنصب الأرفع في دبلوماسية البلد المهيمن على مفاصل النظام العالمي القائم. العالم كله يحفظ أسماء شهيرة أبزرها هنري كيسنجر وجون كيري وقبله هيلاري كلينتون، مرورا بكونداليزا رايس وكولن باول ووارن كريستوفر وجيمس بيكر وجورج شولتز، وألكسندر هيج وسايروس فانس، وغيرهم من مشاهير الدبلوماسية الأميركية ووزراء الخارجية السابقين. في حقبة الرئيس دونالد ترامب، بما تتسم به من سمات وخصائص وأداء مغاير في جوانب كثيرة عما سبقها من إدارات، قد يبدو الوضع مختلفا بعض الشيء، فالعالم بات يعرف السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة أكثر من وزير الخارجية الأميركي. برزت هايلي بشكل لافت للمرة الأولى عندما تحدثت أمام نحو 18 ألف مشارك في مؤتمر “أيباك” السنوي، معلنة انطلاق ما وصفته بالعهد الجديد في المنظمة الأممية (الأمم المتحدة) حيث تكون الولايات المتحدة حليفا بلا حرج وبلا لبس لإسرائيل، ووعدت بأن استخدام “الفيتو” من جانب الإدارة الأميركية ضد أي مشروع قرار دولي ينتقد الاستيطان الإسرائيلي “لن يحدث مرة أخرى”، وأن الولايات المتحدة لن تقوم بمهاجمة أفضل صديق ديمقراطي لها في الشرق الأوسط مرة ثانية. وأن عهد “التمييز” ضد إسرائيل في الأمم المتحدة قد انتهى، وأن “زمن مصارعة إسرائيل قد انتهى”. الواضح أن هايلي تنتمي إلى نفس مدرسة ترامب في الشعبوية السياسية، حيث تستطيع مخاطبة عواطف الجمهور واستمالته عبر اللعب على وتر العبارات. وأكدت أمام “أيباك” أن الاتفاق النووي الموقع مع إيران قد شجعها على فعل المزيد، لكنها في الحقيقة لم تقدم حلولا أو مقترحات للتعامل مع هذا الوضع، بل اكتفت بالقول “سنراقبهم (إيران) مثل الصقور”. هايلي، لمن لا يعرف أربعينية من أصول هندية، تولت سابقا منصب حاكم ولاية ساوث كارولينا، وولدت لأبوين من السيخ، كما سبق لها أن كانت نائبة بمجلس النواب بالكونغرس الأميركي عن ولايتها. ويبدو أن لديها مساحة واسعة من حرية التعبير منذ أن تولت منصبها، وربما اختيرت لهذا المنصب بناء على أسلوبها الصادم في التعبير عن مواقفها وآرائها. وكان لها تعليق شهير في لقائها مع “أيباك” حين قالت تعبيرا عن سبب ارتدائها لحذاء بكعب عال إنها “تنتعله” ليس من قبيل الموضة، ولكن “لأني إذا رأيت الخطأ سأركلهم مرة أخرى”، وهو موقف وصفه المحللون بالافتقار إلى الدبلوماسية، بينما يرى آخرون أنها تميل للصعود السياسي والإعلامي من بوابة الصوت العالي والتصريحات الصادمة. نجحت هايلي، حتى الآن، في الضغط على الأمين العام للأمم المتحدة مرتين، في الأولى تراجع عن قرار تعيين رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياس مبعوثا خاصا للأمم المتحدة في ليبيا، وفي الثانية قام بسحب تقرير لجنة الأسكوا (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا) الذي ندد بإسرائيل وقال إنها تمارس الفصل العنصري، وهو التقرير الذي تسبب في استقالة المديرة التنفيذية للجنة ريما خلف من منصبها احتجاجا على سحب التقرير. لم تأت هايلي من خلفية دبلوماسية، ولذا فهي تتحرك في مساحات تعبير أوسع من الدبلوماسيين، وتعبر أحيانا بلغة صادمة عن اتجاهات وسياسات الولايات المتحدة، فهي تتحدث كثيرا عن “الركل بالكعب العالي”، ويبدو أن قوتها وصرامتها والدعم القوي لها من جانب اللوبي اليهودي تؤهلها للترقي بشكل سريع في عالم السياسة الأميركية، فقد وجدنا توقعات ترشحها لأن تكون مرشحة للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية خلال السنوات المقبلة، وتحديدا في انتخابات 2024، ومسيرة حياتها الشخصية توحي بذلك، فهي امرأة قوية، كانت أول سيدة تصبح حاكمة لولاية ساوث كارولينا، وكانت أصغر حكام البلاد، ولديها مواقف قوية ضد سياسة الفصل العنصري، وسبق لها رفض تسجيل المسلمين الأميركيين في سجلات خاصة، ولكنها تؤيد تماما اتخاذ أي إجراءات لحماية الولايات المتحدة من التهديد الإرهابي. وإذا كانت هايلي تتحدث بلغة الركل “بالكعب العالي” فإن الرئيس ترامب قد وصف الرئيس السوري بشار الأسد بـ “الحيوان”، ما يؤكد وجود نوع من التوافق بين الإثنين في استخدام لغة خارج السياق الدبلوماسي المتعارف عليه، وهايلي ـ حتى الآن ـ حادة وقوية ولكنها لا تمتلك خبرة سياسية كافية تؤهلها لطرح حلول وبدائل مبتكرة في التعامل مع ملفات معقدة مثل الملف النووي الإيراني، وحتى الملف الكوري الشمالي، فهي عادة ما تكتفي بالهجوم والتشدد البالغ والضغط على الخصوم ولكن من دون إظهار إشارات على رؤية استراتيجية مبتكرة للتعامل مع ما تعتبره الولايات المتحدة وحلفاؤها مصادر تهديد استراتيجي. صقور جدد في الإدارة الأميركية ولكنهم يختلفون تماما عن صقور اليمين خلال فترة ولاية الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، فليست لدى الصقور الجدد التوجهات والقناعات ذاتها، ولكنهم يمتلكون النزعة ذاتها نحو الرد بصرامة واستخدام القوة العسكرية، مع ضرورة الانتباه إلى الفوارق التي تنتجها العقلية التجارية/ الاقتصادية التي تحكم إدارة قطب العقارات. كاتب إماراتيسالم الكتبي