لم يكن يدور بخَلَدِ جيلِ ما قبل وسائل التواصل الاجتماعية أن يأتي يوم تتعدد فيه نوافذ التواصل، وتمتد فيه جسور الوصل بين المواطن بما يحمله من هموم وأفكار وآمال وتطلعات وملاحظات وبين المسؤول ، حتى جاءت الثورة التقنية الحديثة ممثلة في وسائل التواصل الاجتماعية وخاصة العصافير الزرقاء (تويتر)، فأحدثت هذه العصافير وأخواتها في التقنية نقلة نوعية في عملية التواصل بين المواطن والمسؤول، وجسَّرت الفجوة بينهما. ولو أن المسؤول -أي مسؤول- استشعر أن الحكومة حينما منحته ثقتها فلا يعني ذلك أنها لا تعرف حدود صلاحيته وتقيس فعاليته وإنجازه، لو استشعر ذلك لعلم حق اليقين أنه في موضع التكليف وليس التشريف، وفي موضع العمل والإنتاج وليس الاسترخاء والاستعلاء، وأنه في موضع المساءلة والمحاسبة وليس الحصانة المطلقة. قضية المساءلة والمحاسبة للمسؤول أمر لا يمكن أن تشوبه شائبة أو تعطله مصلحة، ومع هذا يبقى دور الرقيب -بصفته البشرية- قاصرًا، ولا يمكن أن يحيط علمًا بكل شيء عن المسؤول المقصود بالمتابعة؛ ولذا عندما ظهرت وسائل الإعلام -والصحافة على وجه الخصوص- عُرفت بأنها (السُّلطة الرابعة) بجانب السلطات الثلاث الأخرى (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بوصفها -أي الصحافة- عينًا فاحصة ووسيلة فاعلة لنقل نبض المواطن وهمومه إلى الجهات العليا. وكون الصحافة -الورقية خاصة- تحكمها بعض الأطر،فقد جاءت وسائل التواصل الاجتماعية -وبخاصة تويتر- لتفتح المجال واسعًا أمام حرية الرأي ، ولتكون جسرًا سريعًا بين المواطن والمسؤول، والمواطن والجهات العليا، وتنقل الحدث كما هو وبتفاصيله الدقيقة دون تحسين أو تهذيب، فتجعل الرقيب في قلب الحدث مباشرة دون حواجز أو مصدات. لقد جاءت تويتر كما يقول الغذامي في كتابه (ثقافة تويتر..) لتمنح الإنسان «فضاءً حرًّا وحركة مستقلة» مضيفًا إن الإنسان «ظل يتوق لفردانيته المطلقة وحريته المطلقة حتى جاءت الشاشة الزرقاء ومنحته من فضاءاتها ما يشاء من تحرك حُرٍّ». أظن -وليس كل الظن إثمًا- أن بعض المسؤولين التنفيذيين لو كان يملك صلاحية إلغاء وسائل التواصل الاجتماعية لحجر عليها وصادرها تحت حجج عدة، ومع هذا فليس أمام الجميع إلا التسليم والرضا أمام قوة هذه الوسيلة العجيبة التي أصبحت هي آية هذا الزمان مع الاعتذار لأمير الشعراء، وليس أمامهم أيضًا إلا السير في ركابها بحذر كمن يمشي حافي القدمَين على الشوك. لقد دكَّت وسائل التواصل الاجتماعية حصون البيروقراطية، واختصرت المسافات الزمانية والمكانية، وأفسدت على الحائلين بين المواطن والجهات العليا صلاحياتهم، وكشفت الأوراق وأبانت الحقائق -مع أن تويتر لا تسلم من بعض الزيف والمبالغات- وأوصلت مَن لا قدرة له على طرق الأبواب إلى مبتغاه. ومع كل أمر أو قرار يصدر تتأكد بشكل قوي أحقية هذه العصافير بأن تكون النبض الصادق والصوت الحقيقي للمواطن.