×
محافظة مكة المكرمة

إدارة جديدة لتسهيل إجراءات حجاج دول الخليج 

صورة الخبر

ربما ما أقوم بكتابته غير متناسق بالقدر الكافي، ولكني أمتنُّ لتلك الحالة الصادقة التي تنتابني عند كتابة شيء نابع من أعماق الروح، إنني أؤمن بالتجديد والانخلاع من قيود الماضي وعاداته، أؤمن بقدرة الخيال البشري وتفرده، أؤمن بجنون الأفكار والمهووسين بها، أؤمن أنه لو لم يحلِّق ابن فرناس لما وجدت جوازات السفر والحدود ولما شاهدنا السحاب بهذا القُرب، أؤمن أنه رغم كم السخرية التي قد يتعرض لها المرء، وما قد يُنعت به من فقدان العقل والجنون لفكرة آمن بها "وحده"، وحارب لأجلها "وحده". إن تلك الأفكار الخارجة عن المنطق البشري والعادات والتقاليد و"غير العقلانية" كانت وما زالت سبباً لما وصل وما قد يصل له البشر الآن وفيما بعد، الأمر حقّاً يستحق التأمُّل، إن الأحلام تصبح حقيقة إذا كان إيماننا بها كاملاً وحقيقيّاً. لكن بكل أسف.. هذا في عالم يحترم الكيان الإنساني، ويُقدّر قيمة النفس البشرية؛ لأننا هنا على هذه الأرض نحكم على الأشياء من الوهلة الأولى، ونثري المادة على حساب القيم، نتخذ قرار المحبة والكُره من اللقاء الأول، نقيم الحكم على الكتاب من عنوانه، وعلى الإنسان من اسمه، وعلى الصامت كالمُتكلم! ومن أجل ما يشغل بالى في فترات عمري الأخيرة الاهتمام بالتربية والنشء الجديد، جنون الأفكار في هذا المجال، الخروج عن المألوف من العادات المتهالكة، والتحليق في أفق أكثر اتساعاً ورقياً! أخبرني صديقي لي ذات يوم عن معاناة يعيشها مع زوجته وشريكته التي اختارها قلبه، أخبرني عن مشكلات لا نهاية لها، أخبرني أنه يشعر بحاجة ملحة إلى دفء المشاعر الزوجية ورقي العلاقات! أخبرني أن تلك المشكلات بسبب زوجة تتمتع بقدر كبير من الأنانية، وحب الذات، زوجة لا تعلم شيئاً عن حقوق الزوج وطاعته، ولا تعرف واجباتها حق المعرفة. هكذا كان نص كلامه، وهكذا كانت رؤيته، وأنا لا أكاد أجزم أن شريكته ترى الأمر عكس ما هو يراه تماماً، وأنها هي الأخرى تراه مقصراً أنانياً لا يعرف واجباته جيداً، هذه ليست مشكلة صديقي فقط، ولكنها مشكلة الكثير من أبناء هذا الجيل "حياة باهتة". وأنا أظن أنه ضحية، وأنها هي الأخرى ضحية، وأنهم الاثنين محقان فيما يريان وما يقصان، وأن منظور الأول للثاني ليس خطأ، وأن منظور الثاني للأول ليس جرماً! أرى أن المشكلة الحقيقية هي فجوة بداخله وبداخلها، فجوة خلفتها تربية خاطئة وموروثات غير دقيقة، ولا ملائمة لحياتنا اليوم. نعم فجوة نفسية بداخل كل طرف، تزوجا ليملأ كل منهما تلك الفجوة التي بداخله، بحثا عن الحب ليرقع كل منهما الخرق النفسية بداخله؛ ليأخذ كل منهما من الآخر ويملأ فجواته، فبدلاً من أن يتكاملا سعيا إلى التقطيع في بعضهما البعض، ليسدا جوع النفس من الحاجة إلى الشعور بالكمال! هو يريد أن يشعر برجولته، ولا سبيل له لتحقيق ذلك إلا عن طريق التسلط على تلك المسكينة، وهي تريد أن تشعر أنها مستقلة ذاتياً، وأنها قد كسرت قيود أبيها وتابعيتها له، ولا سبيل لها في ذلك إلا بمبارزة هذا المسكين والعند معه، وبين هذا وذاك ضاعت المودة والرحمة؛ ليتحولا إلى عند وتسلط! أنا لست الآن بصدد الحديث عن المشكلات الزوجية، فهذه مشكلة مجتمعية ضمن مشكلات أخرى وكثيرة، ولكني أرى أن أغلب مشكلاتنا اليوم هي وليدة الفجوات النفسية التي خلفتها التربية الخاطئة. مشكلات العمل، ومشكلات الدراسة، ومشكلات مع الأهل والأسرة، وضعف التواصل بين الناس، مشكلات القلوب وما تحمله من خبث ومرض، مشكلات الشخصية الهشة الضعيفة، مشكلات الاتزان النفسي، وما إلى ذلك من أمراض نفسية داخل البشر وضعف في الشخصية والإرادة، وضعف في القدرات الذاتية وضعف في الثقة بالنفس. أنا لا أنادي بوجود إنسان كامل لا تشوبه شائبة، ولا ينقصه شيء، لكننا دائماً نسعى إلى الإصلاح وإلى التحسين والتطوير لخلق عالم أفضل. وأولى خطوات هذا العالم التربية والإعداد، التربية النفسية قبل العلمية، الاهتمام ببناء الشخصية السوية قبل بناء المعادلات الرياضية داخل العقل، زاحم نفس طفلك بالرضا والشغف والدين قبل أن تزاحم عقله بجدول الضرب. إذا أردت أن تعد إنساناً سوياً فضلاً عن أن تعد إنساناً مؤثراً، فضلاً عن أن تعد قائداً، فعليك أن تراعيه وأن تهتم به، وأن تسعى لسد هذه الفجوات وملئها منذ الصغر؛ لأنه إذا كبر سيسعى هو يميناً ويساراً كالطائر الجريح ليسدها، ولكن الأمر يزداد صعوبة ويزداد تعقيداً، وتصحبه مشكلات كثيرة قد تزيد من الآلام النفسية عند هذا الإنسان. تخيلوا هذا النموذج لشاب في العشرين من عمره، عنده من الثقة بالنفس ما يكفيه لمواجهة الحياة ويساعده على الإنجاز وعنده قدرة على تحمل المسؤولية، ويعرف حقوقه وواجباته جيداً، قد يبدو الأمر بسيطاً، لكنه يحتاج لإعداد طويل وتربية دؤوبة. يجب خلق مناخ صحي للطفل، يجب الاهتمام بوجود أسرة صحية قبل الاهتمام بوجود المأكل والمشرب، وهذه الأسرة الصحية تتمتع بصفات عديدة، فالأسرة الصحية دائماً لا تحقر من صغيرها، ولا تسخر منه، ولا من هوايته، أو ميوله، وتسعى دائماً لتطوير قدراته فيما يحب لا فيما يريدون له هم. الأسرة الصحية تشجع صغيرها ولا تضعه في مقارنات مع غيره، تقوم أولادها بطريقة فعالة، أي تشكر على الإنجاز وتقوم الخطأ بغير عنف، الأسرة الصحية أفراد مترابطون محبون لبعضهم، دائماً ما يتناقشون ويعتدون بآراء بعضهم البعض، الأسرة الصحية لا تعامل أولادها كأطفال لا يعرفون شيئاً، وليست لهم أي قدرة على الإنجاز أو تحمل المسؤولية. ولو تأملت صفات الأسرة الصحية لوجدت أن أغلب الأسر على خلاف ذلك النمط من التربية والاحتواء، إن الإعداد هو الطريق الوحيد للحصول على نتائج، وإعداد الإنسان هو من أصعب المهام التي قد يقوم بها الإنسان، تطويع الإنسان للصواب ونحت شخصيته وإعداده لمواجهة الحياة ليس بالأمر اليسير على الإطلاق. هذه رسالة قصيرة وتذكرة لمن يهمه الأمر، أردت من خلالها توضيح أهم أسباب المشكلات التي يعيشها شباب اليوم "أطفال الأمس"، والمشكلات النفسية والسلوكية التي يواجهونها. أوقن تماماً أنه لا يوجد ملهم بالفطرة أو قائد بالصدفة، ولكنه الإعداد ولكنها التربية. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.