«لا يتوقف الإنجاز الحقيقي في ساحة الإعلام عند مجرد طرح المشكلات والقضايا، بل يتعدى ذلك إلى طريقة المعالجة والبحث عن الحلول، فمن ثنائية الطرح والمعالجة يستمد الإعلام دوره الحقيقي في أداء رسالته»، بهذه العبارة استهل نائب أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد، حديثه مع ثلاثين إعلاميا من إعلاميي المنطقة الشرقية والذي استمر زهاء الساعة في ديوان الإمارة، حيث تطرق بما يتحلى به من قدرة على التحليل إلى ملامسة الأبعاد الفكرية والثقافية لعدد من القضايا التي تتصل بجوهر الرسالة الإعلامية ومبادئ الإعلام الحر والإعلام المتعقل الهادف البعيد عن الإيديولوجيات والتيارات التي تجر المجتمعات إلى مزالق تقيد حرية الإعلام تحصر أداءه في إطار وجهة النظر الأحادية. المقومات الثلاثة وحول مسألة صناعة الإعلام الهادف، رأى سموه أن هذه الصناعة يجب أن تتوخى ثلاثة مقومات رئيسية هي: الفكرة السليمة والأسلوب الأمثل، والوسيلة الجيدة التي تنقل جوهر الفكرة للمتلقين، ومن خلال هذه المقومات يشكل الإعلام رأيا عاما مؤثرا وواعيا، قائم على أهداف واضحة وثوابت راسخة، لا أن يكون الإعلام وسيلة لاختراق المجتمعات والصدام مع ثقافتها، بلا أي التزام لتنوعها الثقافي وما يفرضه عليه من واجب احترام هذا التنوع وعدم الشروع في فصله عن الواقع أو حتى مجرد التفكير في الالتفاف عليها وإسقاطه. وانفتح الحوار بعد ذلك على نوعية التحديات الراهنة التي تواجه الرسالة الإعلامية، ومن يضطلع بمهمة تبصير الرأي العام، وهم من وهبهم الله قدرة على التفكير والتعبير في آن واحد حيث قسم سموه هذه التحديات إلى ثلاثة مستويات منها ما هو عالمي وإقليمي ومحلي، الأمر الذي يجعل مسألة التطوير والتغيير مسألة ملحة في منظومة العمل، لكن شريطة ألا يخرج الإعلام عن مبادئه السامية أو ينسلخ من هويته أو يعصف بكل قيم مجتمعه أو يثير الغبار حولها بل يجب أن يعي أنه أمام مفترق طرق وعرة وصعبة، وأمامه جيل لن يغفر خطأه أو يغض الطرف عن اجتهاده الخاطئ، ومن واجبه وهو يسمي نفسه الإعلام التنويري أن يدرك الأبعاد التنموية ووظائفها الاجتماعية والثقافية والقيمية والاقتصادية التي لا تنفصل عن المجتمع، وإنما يسير معه في نسق تكاملي مطرد، لافتا إلى أن الإعلام لا ينفرد وحده بالقدرة على التنوير والتبصير بل يشاركه في ذلك المجتمع الذي يشاطره الهم والعلم، وانطلاقا من ذلك يحق للمجتمع المحلي أن يعرف أين سيقوده هذا الإعلام وما الذي سيفعله من أجل مستقبل أفراده وأجياله، وما الذي قدمه من أجل الحفاظ على تراثهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم الحميدة، وكيف سيواكب التطورات والمتغيرات المتسارعة. تحديات العصر انطلاقا من ذلك عرّج سموه بكل هدوء وروية على التحديات الإعلامية التي يشهدها عالمنا المعاصر منذ عقد الثمانينيات وحتى يومنا هذا، والتي وصفها بالمذهلة والمتسارعة حيث أحدثت تحولات جذرية وعميقة في النظم العالمية، أسفرت عن نتائج وتطورات مهمة وضعت العالم وشعوبه المختلفة أمام متطلبات وتحديات جديدة جعلتها تبحث عن سبل مختلفة تمكنها من تلبية احتياجات العصر ومواجهة تحدياته المتنوعة الأبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وتكنولوجية وبيئية، بالإضافة إلى البحث عن وسائل وآليات تساعدها على التعامل مع هذه المتغيرات بديناميكية مناسبة تضمن لها الاستمرار والصمود والقدرة المناسبة على التفاعل والتأثير في هذه المتغيرات من أجل ضمان مواقع مناسبة تحميها من التغيرات المتسارعة المحتملة وغير المحمودة. وتحدث سموه عن دور المملكة في هذا الجانب موضحا أنها تسعى إلى التعامل مع هذه التحديات بعقلانية وخطوات مدروسة لتأكيد مكانتها العالمية وثقلها الإسلامي ومسؤوليتها تجاه الأمتين الإسلامية والعربية، ومن هذه التحديات الحفاظ على الثقافة ومساهمة الإعلام في ذلك الحفاظ، لما تتسم به المجتمعات الإنسانية من حالة حراك دائم وتفاعل مستمر، لافتا إلى أن وتيرة التغيرات في المجتمعات البشرية اليوم متسارعة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية حيث حجم التغير وكميته على درجة من العمق والشمول يصعب تصورها وهي حتما تمثل عبئا إضافيا على مؤسسات التشكيل الثقافي والتنشئة الاجتماعية التي تضطلع بالوظيفة الأساسية في الحفاظ هوية المجتمع واستمراريته وحمايته من الذوبان والاندثار لهذا يبقى دور الإعلام مهما في هذا الشأن. وأكد سموه في ثنايا الحوار أن ثمة أمواجا إعلامية عاتية حاقدة تستهدف العقيدة والأخلاق وثوابت الأمة وتحاول إفساد المجتمعات وخطف الشباب وخديعتهم بأوهام تلقي بهم في براثن الردى، فما أن أتى القرن الحادي والعشرين إلا وسمع رحى صراع محموم بين قوى تريد السيطرة على الأمة، يحدوها حقد دفين على كل ما يمت للإسلام بصلة، صراع غاب عنه العدل والحق والإنسانية وعلا فيه صوت الباطل على الحق، وتشرذمت فيه الأمة وطغى صوت الحديد والنار فكان لزاما أن يخرج لنا إعلام نظيف هادف يتحلى بالصدق والواقعية ويحقق للفرد المعرفة بما يجري حوله بعيدا عن الدجل والخداع، ومثلما استهل حديثه بعباره جامعة اختتمه أيضا بعبارة مماثلة فقال : «نريد إعلاما يؤدي دوره بتميز، لا بتحزب، إعلام وطني صادق وموضوعي يكون منارة خير وهدى».