×
محافظة المنطقة الشرقية

” أبوللو ” المشروع الجديد لـ ” بايدو ” الصينية في القيادة الذاتية

صورة الخبر

منذ نشأتها الأولى، لا تترك الإسكندرية جديداً في الشرق أو الغرب ثقاقياً وفنياً وعلمياً إلا وطأته وحثت الخطى من أجله. فطالما اصطف السكندريون منذ مطلع القرن التاسع عشر على جانبي الطريق مشاركين أو مشاهدين العديد من المشاريع العصرية، كتدشين أول مركبة نقل جماعي في الشرق الأوسط وأفريقيا (1860)، وعقبها بعقدين اصطفوا لمشاهدة الترام الكهربائي، ثم لمشاهدة أول عرض سينمائي في الشرق الأوسط (الثاني عالمياً)، وعقب عام واحد عرض أول فيلم في أول سينماتوغرافي في الشرق الأوسط، ثم تم تدشين أول بورصة في الشرق. يدور الزمن دورته، ويظل السكندريون يجتمعون وينبهرون، إلا أن أسباب الاصطفاف تتغير، وشكل المصطفين أنفسهم يتغير، فعقب الربيع العربي تحول الاصطفاف الى استقطاب ما بين صفوف إسلاميين مطالبين ومنددين وثائرين أو ليبراليين موالين وآخرين معارضين لتوجهات الدولة. وفي الأيام الأخيرة، تحول السكندريون إلى اصطفاف ضد الإرهاب أو لتشييع إحدى ضحاياه، فالمدينة المطلة على شاطئ المتوسط شهدت حوادث إرهابية تُنذر بخروج التشدد الذي عشش في بعض مناطقها العشوائية بفعل دعاة انتشروا في مساجد تلك المناطق وزواياها، من طور الحديث إلى الفعل. فبائع الحلوى قرب ترام المدينة أقدم على ذبح بائع خمور مسيحي في أشهر شوارعها التجارية قبل شهور، وأخيراً أفاق أهاليها على انتحاري فجر نفسه أمام كنيستها المرقسية، رمز المسيحية المتجذرة في المدينة. الإسكندرية قديماً كانت مهد المدنية والحداثة، وحديثاً شهدت ولادة حركة «الدعوة السلفية» التي انتشرت في أحيائها العشوائية، ومعها طغى أصحاب اللحى وصاحبات النقاب. وقال الباحث في دراسات الشرق الأوسط عيد راضي لـ «الحياة»: «أخيراً، توارت شمس التنوع والتسامح خلف سحب الانغلاق والتشدد الديني التي تكاثرت في سماء الإسكندرية لتمطر أفكاراً متشددة منغلقة متطرفة أزاحت كثيراً من عناصر المدينة الجمالية، وأرهبت كثيراً من أيقوناتها الثقافية والفنية لتسود ثقافة التشويه والقطب الواحد التي بدأت مع انتشار جماعة الإخوان وأنصارها وتغلغلهم منذ ثلاثينات القرن الماضي»، لافتاً إلى فشل محاولات إقصائهم في الستينات عقب المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في ميدان المنشية عام 1954. وأضاف: «أظهر التأميم وشعارات الاشتراكية العنترية طبقة من الشعب متطلعة الى الثراء ومتعلمة، لكن منعدمة الثقافة منغلقة العقل والفكر. وازدادت نبرة العداء ضد الأجانب وموجات الهجرة الداخلية من الريف، وتم استبدال الأوروبيين وثقافاتهم المنفتحة بالمهاجرين الجدد البسطاء بتفاعلاتهم الفطرية العشوائية وأفكارهم البدائية الأقرب الى الانغلاق ونظرتهم المتدنية لمقاليد الفن والثقافة، وظهرت أجيال جديدة لا تجري في عروقها جينات التعددية كسلوك اجتماعي راق، ولا التنوع والتكيف مع المختلف فكرياً وعقائدياً كموروث حضاري تراكمي، وهؤلاء لم يتمكنوا من استيعاب النسق الحضاري والثقافي الذي كانت تعيشه المدينة، كما أن المجتمع الثقافي التعددي أبى أن يصهرهم في بوتقته». وقالت أستاذة الفلسفة في كلية الآداب في جامعة الإسكندرية الدكتورة لبنى ناجي إنه في مطلع السبعينات، مع بداية ظهور الحركات الطالبية الإسلامية في الجامعات، ظهر التشدد والتصرفات العنيفة بين الطلاب، وظهرت قيادات طالبية أصبحت الآن تقود تيار الإسلام السياسي، ونمت وتغلغلت بين الشباب. وعزا الباحث في الحركات الإسلامية الدكتور أحمد رفعت تشدد بعض الإسلاميين وجنوحه لأفكار مارقة عن وسطية الدين الإسلامي، إلى ظهور تجمعات عشوائية ذات بناء فوضوي تراكمي على تخوم المدينة، خصوصاً من الجهة الشرقية في مناطق المنتزة والعصافرة وسيدي بشر قبلي وباكوس والعامرية والعوايد التي لم تعش أجواء الثقافة المتنوعة والغنية، مضيفاً: «مع تزايد ظاهرة البناء العشوائي والتبرك ببناء مسجد في الطبقة الأرضية من المنزل أو عمل زاوية لتحفيظ القرآن، انتشرت ظاهرة الدعاة الجدد، وهم غير متخصصين في التراث الإسلامي وكتب الدعوة والشريعة، ولا يجيدون الفهم الصحيح للدين، ما أظهر كثيراً من الأفكار الغريبة والمتشددة نتيجة لفتاواهم التي أدت لتفاقم موجة التطرف الديني والإرهاب بدعوى الجهاد، وأصبحت هناك مساجد لكل فئة لا يدخلها غيرهم من إخوان وسلفيين وسنة محمدية وجهاديين وجماعة إسلامية وغيرها، ولم تستطع المؤسسات الدينية الرسمية محاصرة الأفكار المتشددة المنتشرة في الزاويا والجمعيات الصغيرة في المناطق العشوائية في المدينة». وقال: «نجح الموتورون في بث أفكارهم ودعاواهم إلى الجهاد، خصوصاً عقب دخول هذه الجماعات معترك السياسة عقب ثورة 25 كانون الثاني (يناير) عام 2011 بإنشاء أحزاب وكيانات سياسية وهمية تخلط الدين بالسياسة، ومنها حزب النور السلفي، وهو أكبر تجمع سياسي للسلفيين ومعقله الإسكندرية، وتنتشر مساجدهم في ضواحي العصافرة وسيدي بشر والعامرية والعوايد»، مشدداً على نجاحهم في بث أفكارهم ودعاواهم إلى الجهاد. وعن كيفية عودة المدينة الى روحها القديمة وتعدديتها الفكرية والثقافية، قال القيادي في الجماعة الإسلامية ناجح إبراهيم: «التظاهرات أضرت كثيراً بالحركة الإسلامية. عقب القضاء على الجماعات التكفيرية المسلحة سينكسر العنف، لكن تبقى فكرة التكفير في النفوس، لذا تجب معالجتها بالفكر، وإلا سيعود العنف، فالتكفير والتفجير وجهان لعملة سيئة واحدة».