يهدف الدكتور حمزة المزيني، من خلال ترجمة كتاب «أيُّ نوعٍ من المخلوقات نحن؟» (بالتعاون مع «دار كنوز المعرفة الأردنية») لنعوم تشومسكي، إلى إيصال أفكار الأخير بطريقة صحيحة، بعيداً عن التشويش الذي مورس ضد عالم اللسانيات الأميركي. يذكر أن الكتاب صدر باللغة الإنكليزية عام 2016 في عنوان What Kind of Creatures Are We?. يوضح الدكتور حمزة المزيني (أستاذ اللسانيات في جامعة الملك سعود في الرياض بالمملكة العربية السعودية) أن إصداره الجديد يحوي ملخصاً وافياً للمنطلقات الفكرية والعلمية لنظرية تشومسكي حول اللغة البشرية. كذلك يتضمن الإصدار فصلا يربط فيه تشومسكي بوضوح بين انشغاله العلمي باللغة وانشغاله الفكري بالنقد السياسي والاجتماعي الذي اشتُهر به. حول أهمية الإصدار يضيف المزيني: «تكمن أهمية ترجمة هذا الكتاب في أن تشومسكي، وإن عُرف بنقده السياسي في العالم العربي، فإن تنظيراته للغة، خصوصاً في شكلها الأخير، لم تنل اهتماماً مماثلا في العالم العربي، وتبقى عرضة للتشويش منذ انطلاقتها في أواسط خمسينيات القرن العشرين الميلادية». نظرة شمولية يمثل الكتاب نظرة شمولية مختصرة لمشروع تشومسكي في دراسة اللغة الذي بدأه منذ ستين سنة، وقد استعرض المزيني في المقدمة قضايا كثيرة تثار حين يُذكر تشومسكي في العالم العربي ولدى دارسي اللغة خصوصاً، وهي بعيدة عن مناقشة نظريته وتتركز على مزاعم يرددها بعض هؤلاء منذ ستة عقود، ومنها أن تشومسكي تأثر بالنحو العربي في نظريته وبسيبويه تحديداً، أو بنحويين وبلاغيين قدماء آخرين، أو بابن خلدون، إلى غير ذلك. وبيَّن المزيني أن هذه الادعاءات لا تقوم على أساس. الأطر العلمية والفلسفية كتب الفيلسوف الهندي الأصل عقيل بيلجرامي المشهور بأبحاثه الفلسفية حول اللغة والنقد السياسي مقدمة طويلة عرض فيها الأطر العلمية والفلسفية العامة التي تحدد مشروع تشومسكي منذ بدايته لغاية الآن. يضم الكتاب أربعة فصول خصص المؤلف الفصلين الأولين للقضايا المتصلة بدراسة اللغة، والفصل الرابع للإطار العلمي والفلسفي الذي يحدد تنظيراته العلمية للغة، وهو يبين بتوسُّع أن تنظيراته للغة تستند إلى الأسس والمعايير نفسها التي تستند إليها العلوم التي تسمى «العلوم الصحيحة» كالفيزياء والكيمياء. النظام الأميركي يتناول الفصل الثالث «ما الصالح العام»، الصلةَ التي طالما تساءل عنها البعض بين تنظير تشومسكي للغة الذي يختلف عن كل تنظير سبقه ونشاطه السياسي والاجتماعي في نقد الأنظمة المهيمنة، ومن أخصها النظام الأميركي في سياساته الداخلية والخارجية على السواء. انشغل تشومسكي طوال العقود الستة الماضية بهذين النشاطين بشكلٍ متوازٍ ولا يزال، ويبين في هذا الفصل أن الصلة بين نشاطيه تتمثل في انشغاله بدراسة «الطبيعة البشرية» في وجهيها الفردي اللغوي والجماعي الاجتماعي والسياسي. كذلك يردّ تشومسكي في هذا الكتاب على الذين يوردون مزاعم يختطفونها من أقوال بعض الفلاسفة وعلماء اللسانيات، الذين يختلفون معه في رأيه حول اللغة، ومؤداها أن أولئك الفلاسفة وعلماء اللسانيات أوردوا أدلة قاطعة ضد الأفكار الأساسية في نظريته حول اللغة، نتيجة لما ينشره بعض الباحثين في دراستهم لبعض اللغات أو انطلاقهم من أسس فلسفية وعلمية أكثر تماسكاً، كما يزعمون. وليست هذه المزاعم جديدة، ولم تصمد، رغم تكرارها والحماسة في نشرها، أمام ردّ تشومسكي وباحثين كُثر عليها. ومن أهم الأفكار التي يكثر لغط هؤلاء حولها: نظرية تشومسكي حول «النحو الكلي» الذي يمثل جوهر نظريته حول اللغة، وهو ما رد عليه تشومسكي في هذا الكتاب بكثير من الحجج العلمية والفلسفية الراجحة. وختم المزيني الكتاب بمسردين ضم الأول المصطلحات الإنكليزية المترجمة، والثاني المصطلحات العربية الواردة في الكتاب وما يقابلها من مصطلحات بالإنكليزية، فضلا عن كشاف بالأسماء والمصطلحات الواردة فيه. حمزة بن قبلان المزيني حاصل على دكتوراه في جامعة تكساس في أوستن، الولايات المتحدة الأميركية. له كتب ومقالات في مجال التخصص وأخرى في قضايا الشأن العام. ترجم إلى العربية كتباً في اللسانيات، ومنها كتابان لتشومسكي هما: «اللغة ومشكلات المعرفة» (1990)، و«آفاق جديدة في دراسة اللغة والذهن» (2005)، كذلك ترجم كتباً ومقالات في قضايا فكرية متعددة. يعمل أستاذًا للسانيات في جامعة الملك سعود في الرياض ـــ المملكة العربية السعودية.