×
محافظة المنطقة الشرقية

السديس يؤم المصلين في مسجد قباء

صورة الخبر

الغريب هو الشخص الذي يجدد تصريح إقامته، هو الذي يملأ النماذج ويشتري الدمغات والطوابع، هو الذي عليه أن يقدم البراهين والإثباتات.هو الذي يسألونه دائماً: من وين الأخ؟...لا تعنيه التفاصيل الصغيرة في شؤون القوم أو سياستهم الداخلية، ولكنه أول من تقع عليه عواقبها قد لا يفرحه ما يفرحهم لكنه دائماً يخاف عندما يخافون.هو الذي تنعطب علاقته بالأمكنة، يتعلق بها وينفر منها في الوقت نفسه، هو الذي لا يستطيع أن يروي روايته بشكل متصل ويعيش في اللحظة الواحدة أضغاثاً من اللحظات، لكل لحظة عنده خلودها الموقت وخلودها العابر. ذاكرته تستعصي على التنسيق، ويعيش أساساً في تلك البقعة الخفية الصامتة فيه...له تفاصيل حياة ثانية لا تهم المحيطين به، وكلامه يحجبها بدلاً من أن يعلنها، يعشق رنين الهاتف ولكنه يخشاه ويفزع منه، الغريب هو الذي يقول له اللطفاء من القوم: أنت هنا في وطنك الثاني وبين أهلك. هو الذي يحتقرونه لأنه غريب، أو يتعاطفون معه لأنه غريب، والثانية أقسى من الأولى.هكذا عبر الشاعر والروائي مريد البرغوثي في روايته «رأيت رام الله» عن الغريب، ذلك الذي لا يعود أبداً إلى حالته الأولى، سواء في البلد المضيف أو في وطنه الأم عندما يعود.الغريب، الغربة، الغياب، الغيوم، الغامض، الغابة.الغرفة، الغربال، الغبار، الغرب،الغد... حرف الغين في كثير من كلمات اللغة تحمل ذات المعنى، معنى اللحظة المفقودة... معنى وجود الحواجز!الغد بالنسبة له ذلك الرجل الذي يكتب اسمه على جميع العملات النقدية التي تقع بين يديه متأملاً أنها ستعود إليه بعد دورتها الاقتصادية،غالباً لا تأتي هذه اللحظة، وإذا جاءت فهي ليست له...سيصرفها.الغبار هو كل ما سيقابلك عندما تحاول أن تزرع نفسك في غير أرضك، وتعيش ثقافة غير ثقافتك، وكل محاولاتك ستفشل لتكوين نظرية ما أوالإحاطة بالنهر الجاري الذي يسبقك... في الغربة أنت تتلاشى والغبارهو الذي يبقى. تذوب في الغد فينفلت منك الأمس.أمسك الذي يشبه يومك الآن...لا جديد.وعندما تعود وأن تحمل حقيبة كل ما فيها ليس لك... كلحظاتك،سيكون الجميع في انتظارك، وستبدي مشاعر اللهفة والشوق،وستتصنع الاندهاش من تفاصيل ما كانت تدهشك، وستضحك على أشياء ما كانت تضحكك، ولكنك تعلم أنه حتى الشجرة التي في أسفل بيتك تتساءل:من أنت؟أنت الغريب في غير بلدك... وفي بلدك.أنت الذي تهز رأسك وتمط شفتيك هناك عندما تتذكر هنا، وتمط شفتيك وتهز رأسك هنا عندما تتذكر هناك، أنت الذي لم تعد تفرق كثيراً بين دعاء العودة من السفر وبين دعاء السفر، أنت الذي تتكلم عن أسعار الغلاء هنا...هناك وتتكلم عن أسعار الغلاء هناك...هنا.أنت الذي اختلط وجهك بالقناع فتلاشى الوجه وبقي القناع، أنت الذي لحظة حضورك وانصرافك...لحظة كمومية واحدة فيها الوجود والعدم بحيث تندهش من قوله تعالى«بينهما برزخ لا يبغيان».الكون بالنسبة لك لا يتكون من ذرات، بل من حكايات غالباً سترويها لعيون تنظر لك ولكن أذونها في مكان آخر.أنت العالق في الذاكرة حد الغلو والغياب والغربة...أنت سجين حرف الغين هنا... وهناك، مابين «غائب» وما بين «ملدوغ»...سجنك الذي تنكره.ورغم كل هذا التلاشي والألم... فبمجرد أن تتذكر الله وبأنه مالك الزمان والمكان والمهيمن الذي جعل عباده بين قهره ولطفه حتى تعيد تموضع نفسك، وتكون قادراً على التمييز بين صوت صفير الطائر وصوت صفير الصياد!فقط املأ حقائبك بالأثر... وتذكر أنك في رحلة إلى الله كل ما فيها سفر.وذكروني أن أحدثكم عن حرف الراء!!كاتب كويتيmoh1alatwan@