×
محافظة المنطقة الشرقية

تسليم موقع جسر الملك عبدالعزيز بالخبر للمقاول

صورة الخبر

لندن: عبير مشخص زحام شديد أمام شباك التذاكر داخل متحف «تيت مودرن» في لندن، عائلات وأفراد كلهم بانتظار الحصول على تذاكر لدخول أضخم معرض لفن استخدام القصاصات الورقية «الكولاج» عند الفنان الفرنسي هنري ماتيس (1869 - 1954) الذي يعد أحد أهم الفنانين المعاصرين في القرن العشرين. يتواصل الزحام إلى داخل القاعات ويتزاحم الزوار (كثير منهم أحضر أطفاله) لإلقاء نظرة مقربة للوحات كما يحاول الأطفال استراق النظر إلى اللوحات أمامهم لمحاولة رسمها في دفاترهم. هناك جو عام من السعادة والمتعة برؤية كل تلك الأعمال البديعة للعملاق هنري ماتيس. المعرض الذي يتواصل حتى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل يحمل اسم «قصاصات» وينفرد بعرض 130 عملا قام ماتيس بتنفيذها في أواخر حياته في الفترة ما بين 1937 و1954 ونفذها كلها باستخدام المقص والورق. ماتيس المعروف باستخدام متفرد وبديع للألوان لم يتخل عن إبداعه بعد أن داهمه المرض وجعله طريح الفراش، استعاض عن الفرش والألوان الزيتية بمقص وأوراق خلق منها أشخاصا ونجوما وسماوات وقيعان محيطات. وبالنسبة للنقاد تعد هذه المرحلة من فن ماتيس بمثابة مولد جديد للفنان وانطلاقا لموجة رائعة من الأعمال الفنية استخدم فيها ماتيس مفردات فنية جديدة. الجدير بالملاحظة أن الأعمال تبدو بسيطة وفرحة ولكنها أيضا حزينة وهو أمر غير مستغرب إذا أن الفنان كان يعاني من المرض وتأثر أيضا بالحرب العالمية الثانية التي كانت تدور في ذلك الوقت ويمكن النظر إلى لوحة «إيكاروس» التي تعبر عن أسطورة إغريقية بطلها إيكاروس الذي حاول الطيران بأجنحة مصنوعة من الشمع وسقط إلى الأرض بعد أن ذابت الأجنحة بفعل الشمس. إيكاروس في لوحة ماتيس قصاصة على هيئة رجل يتهاوى إلى الأرض، نرى حوله بقع صفراء قد تعبر عن الشمس، مشهد قد يعبر عن القتلى في الحرب والانفجارات المدوية للقذائف والقنابل. إيكاروس هنا هو رمز للموت وللآمال المحبطة وللدمار. نيكولاس سيروتوس مدير متحف تيت مودرن وأحد المنسقين للمعرض أشار إلى أن المعرض يعد الأكبر من نوعه، حيث جمع فيه 130 عملا بعضها يعرض سويا للمرة الأولى، ويرى أن المعرض بشكله الحالي لن يتكرر مرة ثانية. وبالفعل المعرض ضخم جدا يمتد عبر 14 قاعة عرض تحمل كل منها عنوانا شاملا يعبر عن الأعمال المعروضة فيها، وبالتأكيد يحتاج لأن يخصص له الزائر أكثر من ساعة للاستمتاع بكل عمل على حدة. نبدأ المعرض من خلال ماتيس نفسه، عبر فيلم وثائقي قصير نرى فيه الفنان وهو يستخدم المقص والورق الملون الذي أعدته له مساعدته (نلحظ أنها تمسك بأطراف الورقة التي يعمل عليها). الحركة الانسيابية للمقص سرعان ما تخرج أشكالا مميزة يقوم الفنان لاحقا بتثبيتها إما على لوحة أو على جدار لتكوين العمل. في الغرفة الأولى «صناعة القصاصات» نتعرف على طريقة عمل ماتيس، فعبر لوحتين عرضتا جنبا إلى جنب تحت عنوان «حياة صامتة مع صدفة» نتتبع الفنان ومراحل عمله. يشير دليل المعرض إلى أن ماتيس خلال إعداده للوحاته الزيتية كان يقوم بتجريد العمل لعناصره البسيطة وتحويلها إلى قصاصات يثبتها بعد ذلك على اللوحة ليتمكن من تغييرها وإعادة توزيعها حتى يتوصل إلى الصيغة الملائمة له في النهاية. وهذا ما نراه أمامنا، فاللوحة الأولى تعبر عن موضوعها بالقصاصات الملونة وإلى جانبها اللوحة الزيتية بشكلها النهائي. استخدام القصاصات أيضا يسمح للناظر بإعادة ترتيبها في ذهنه تماما كما فعل الفنان. الغرفة الثانية «الراقصات» تضم مجموعة من اللوحات التي ركزت على راقصات الباليه، الحركة هي مفتاح اللوحات، القصاصات تتلوى وتنثني لتعبر عن حركات الراقصات، تبدو وكأنها ستخرج من إطار اللوحة إلى خارجها. أيضا من المعروضات كتاب «جاز» الذي ضم صور لمجموعة من لوحات الكولاج التي نفذها الفنان، الجديد هنا هو عرض اللوحات الأصلية في المعرض إلى جانب تلك المطبوعة في الكتاب، الفارق بين الاثنين هو الألوان التي لم تجد بريقها في الكتاب المطبوع كما نراها في القصاصات، وأيضا لم يظهر الكتاب التضاد بين الألوان كما أراد الفنان إظهاره. من أجمل القاعات تلك التي عرضت جداريتان ضخمتان من القصاصات، كون من خلالها الفنان عملان بعنوان «أوشينيا ذا سي» و«أوشينيا ذا سكاي» إحداهما تعبر عن قاع البحر، والأخرى تحلق في السماوات، التفاصيل للكائنات في قاع البحر يجذب الأنظار بشدة، الأسماك التي تتلوى في الماء، الأعشاب البحرية والطحالب تحف بجوانبها. يظهر من خلالهما تأثر الفنان برحلة قام بها إلى تاهيتي في عام 1930، كتب الفنان يصف ذلك العمل: «بدا وكأن ذكرياتي تغلبت على العالم الخارجي.. هناك كنت أسبح كل يوم في البحيرة وكنت أجد متعة كبيرة في تأمل الحياة تحت الماء». يستعين دليل المعرض أيضا بمقتطفات من ليديا ديليكتوركايا مساعدة الفنان لرواية نقطة البداية لهذا العمل الضخم: «قام ماتيس بقص طائر السنونو مستخدما قطعة من الورق المعد للكتابة ولكنه لم يستطع تمزيق ذلك الشكل الجميل أو التخلص منه بعد ذلك فقام بتثبيته على الجدار أمامه بحيث يغطي بقعة على الحائط، وخلال الأسابيع التالية قام بقص وتثبيت عدد أكبر من الأشكال على نفس الحائط». سرعان من انضمت طيور وأسماك وأوراق شجر وكائنات أخرى من السماء والبحر إلى الطائر الوحيد. يستعرض أيضا ماتيس عالم السيرك من خلال لوحات تصور البهلوان ولاعب الترابيز وراكب الحصان وغيرها من المهن من ذلك العالم، قصاصات كلها حياة ومرح تضج بالألوان، حتى تلك اللوحة التي تصور جنازة أحد الأشخاص، لا تبدو حزينة بقدر ما هي منشرحة، الحصان الذي يجر عربة الموتى يبدو رشيق الحركة وكأنما يعدو منتشيا، ألوان اللوحة أيضا لا توحي بالكآبة، يعلق أحد الخبراء بأن اللوحة التي نفذها ماتيس وهو في مرضه الأخير قد تكون بمثابة تحد للموت. الأعمال بعد ذلك تصبح أكبر في الحجم، تحتل مساحات ضخمة من الحائط مثل اللوحة التي تحمل اسم «الببغاء وحورية البحر» وهي من أضخم لوحات الكولاج التي نفذها ماتيس نرى فيها الببغاء والحورية وسط حديقة من الفواكه وأوراق الشجر المتنوعة. في تعليق على اللوحة قال الفنان لأحد أصدقائه: «لا أستطيع مغادرة المنزل ولهذا أحضرت الحديقة إلى الداخل». * معرض «ماتيس.. القصاصات» يقام في تيت مودرن ويستمر حتى 7 سبتمبر.