×
محافظة المنطقة الشرقية

مدير "صحة جازان" يتفقد مشاريع مستشفى صبيا العام

صورة الخبر

عندما كنا في الصف السادس الابتدائي دخل الاسفلت إلى قريتنا، وكان أول حادث سير على الإطلاق لسيارة (شاص)، حينئذ رأيناه عظيما. لم يطفئ جذوة الحديث عنه سوى فاجعة أخرى نتج عنها وفيات، ثم استمرأت النفوس ذلك مع كل قتيل يوارى الثرى. وحكى لنا كبار السن بعد أن كثرت حوادث السير أن عالما موثوقا رأى في منامه - غفر الله له - حية سوداء تبتلع البشر، وأن تأويل ذلك إنما هو الطرق المسفلتة. كتبتُ وكتب غيري، وعجبت لأمر بلد يخوض إرهاب شوارع ثم يتذمر مواطنوه من "ساهر"، بل يصل الأمر بأحد الزملاء في إذاعة ما أن يصف ساهر بأنه يتحرش بالسائقين في حين لم يُعلم أن "السيد ساهر" قد طرق على سيارة أحدهم متحرشاً. مركز التطوير المهني للتطوير والإنتاج في أرامكو السعودية وضعنا بفيلم توثيقي توعوي قصير أمام المرآة، فهل نرى بوضوح ما نصنعه بأنفسنا ومجتمعنا ومقدراتنا؟ أم أن الأمر كالعادة يخص شخصا "ثالثا" لايمت لنا بصلة؟ فبحسب الفيلم فإنه في عام 2011م قضى 4255 شخصا ضحية للعمليات الإرهابية في العراق، بينما قتل 7153 شخصا في حوادث السير في المملكة، وهو ما يتجاوز عدد ضحايا حرب الخليج الثانية المقدر ب (5200)، وشاركت فيه أكثر من 30 دولة، وهزّ العالم من الماء إلى الماء. هذا الفيلم الذي أنصح الجميع بمشاهدته لم يتوقف عند هذا الحد وإنما رصد لنا الارتفاع المطرد في عدد الضحايا ففي سنة 2001م كان عدد الضحايا 4100 شخص ومن المتوقع أن يصل في سنة 2019م إلى أكثر من 9600. دول قبلنا فقدت أقل من ضحايانا فوضعت خططا لخفض ذلك الفاقد الذي لايعوض، فبريطانيا على سبيل المثال بدأت عام 1998م خطة لتقليص وفيات حوادث السير من حوالي 500 شخص سنويا إلى أقل من 300 ضحية عام 2010م. أما الدنمارك فخفضت عدد الوفيات في حوادث السير من 500 سنويا عام 1998م إلى 300 بحلول عام 2012م. ويفجعنا هذا الفيلم بمقارنات مع حروب مسلحة؛ فعلى سبيل المثال أسفرت حروب الأرجنتين، والصحراء الغربية، والهند وباكستان، وحرب الخليج الثانية، وحرب النيبال الأهلية، واستقلال كرواتيا عن 82000 ضحية، بينما كان عدد ضحايا الطرق في المملكة لعقدين من الزمان 86000 نسمة. وإذا أحصي عدد الوفيات من كل مئة الف شخص؛ وهي الطريقة التي تحسب فيها نسبة الوفيات في كل دولة، فإن المملكة ولا فخر هي الأعلى حيث تفقد 50 ضحية، بينما تفقد المانيا ذات السرعة المفتوحة على الطرق السريعة حوالي 6 أشخاص، وأمريكا القارة حوالي 15 شخصا من كل مئة ألف نسمة. أما الخسائر المادية فتقدر بنحو 13 مليار ريال سعودي كل سنة، والمتوقع أن تصل في هذا العام إلى 19 مليار ريال، وفي سنة 2019م إلى 23 مليارا. ما هي الحلول المقترحة أن نعود إلى الزمن الجميل، زمن الطيبين، إلى الخيل والبغال والحمير، ونغفل ما لم نكن نعلم كالسيارات حاليا، أم نستمع للحق جل وعلا في قوله: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)؟ يقول ابن باز رحمه الله في تفسير هذه الآية " فالله أعطاهم عقولاً، أعطاهم أدوات، وأعطاهم أسباباً يستطيعون بها أن يتحكموا فيما يريدون من جلب خير أو دفع شر"، فمالنا لانعقل ذلك؟ أم أن مثل هذه التوجيهات يراد بها البريطانيون والدنماركيون وغيرهم في بلاد (....)؟ أول الحلول التي اقترحها معد الفيلم آنف الذكر هو التوعية، فهل يمكن إقناع وزارة المالية بإنفاق مليار ريال للتوعية سنويا لتوفير عدة مليارات؟ المعادلة بسيطة جدا. وهي بذلك توفر من 30% من الأسرة في المستشفيات التي يشغلها ضحايا الحوادث. الحل الأول ليس صعبا ولكنه عند البعض مستحيل. أما الخطوة الثانية فهي اصلاح الطرق، وصيانتها، وصيانة المركبات، ووضع أنظمة صارمة تلتزم بها الجهات الرسمية ومستخدمو الطرق، وأخيرا العقوبات الصارمة جدا التي تتناسب مع فداحة الخطر الذي يتهددنا. دعونا نصنع من الألم أملاً لحقن المزيد من الدماء في حرب شوارعنا التي تقول هل من مزيد. لتبدأ مسيرة السلامة بي سواء أكنتُ قائد مركبة أم مسؤولا بيده القرار. يقول جورج برنارد شو إن " التقدم مستحيل بدون تغيير، وأولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء"، فلنغيّر من فهمنا للطريق والمركبة، ونستخدم الطريق وفي أذهاننا السلامة تبدأ بي، وليس بغيري.