باتت الكاميرا اليوم لعبة في يد الأطفال والشباب والكبار والصغار، وأصبحت برامج المونتاج والتصوير متوافرة على جميع المواقع بشروحاتها المعقدة التي كانت منذ سنوات حكراً على طبقة معينة فقط، ولا يستطيع أحد أن يقترب منها لسحر وأسطورية العاملين في هذا المجال، أما الآن فلدينا كثير من هواة المخرجين والمصورين والكتاب والصحفيين الذين لا ينتمون رسمياً لهذه المهن، بل إن معظمهم يعمل في مجالات بعيدة كل البعد عن الإعلام، ولكن أطلقتهم العولمة التي قطعت واخترقت كل المسميات والتقليديات القديمة، وهتكت كل الأستار وأذابت الجميع في بوتقة واحدة. ولكن ما دفعني حقيقة لكتابة هذا المقال هو ملاحظتي أثناء وجودي بين أطفال صغار في إحدى الفعاليات وقيامهم بالتصوير بمنتهى الحرفية التي يصور بها زميلي في العمل، وطريقة إمساكهم بالكاميرات، وتحدثهم بلغة غاية في المعرفة والفهم، وكذلك وجود آخرين بجوارهم يوثقون الحدث ليرفعوه على صفحاتهم الخاصة في السوشيال ميديا التي تفوقت كثيراً في معالجتها وطرحها على القنوات التي ما زالت تعيش عصر الأقمار والأطباق الفضائية الثابتة التي كانت تتزين على أسطح المنازل. كل هذه الملاحظات جعلتني متأكد أنه قد انتهى هذا الزمن إلى غير رجعة، وأصبحنا نعيش في عصر الأطباق المتحركة أو بصحيح العبارة نحن في عصر الإعلام اليدوي المتجسد في تلك الأجهزة الخلوية التي يحملها الأطفال، مثل الكبار تماماً، الذي بإمكانه من خلاله أن ينقل ويبث "الخبر" من أي مكان في العالم؛ حيث يتواجد ليوثقه ثم يقوم برفعه أو "نشره" مباشرة على صفحته لتتحقق المعلومية للمتابعين له، فيسبق كثيراً من القنوات التي تدور فيه المعلومة عبر أقسام كثيرة وبطريقة روتينية طويلة. نحن الآن فعلاً نعيش عصر إعلام الشعوب بكل معنى الكلمة، الذي أتوقع أن يسود كنمط خلال العشر سنوات القادمة، بحيث تصبح المعلومة أو الخبر أو حتى الآراء التي نحاول أن نرصدها من القنوات لمعرفة تفاصيل الاستجابة الدولية تجاه قضية من القضايا لا ينتظر فيه نشرة المساء للمعرفة، بل يكفيني أن أدخل إلى صفحات الشخصيات التي أنتظر آراءها لمعرفة مواقفها، أو أي صفحة متابعة للأخبار، التي يقوم على إمدادها بسيل الأخبار شباب متحمس ونشيط، مما يجعلني بعد كل هذا الطرح أن أخلص لاستنتاج متبوع بتساؤل: هل ستتهاوى وتنقرض قريباً طبقة الإعلاميين من المجتمعات؟ هل ستصبح مهنة مخترقة ولا يتوقف إنتاجها على مجموعة من الأفراد المتخصصين؟ أم أن الواقع سيحمل لنا خبايا وقراءات أخرى للمشهد الإعلامي العربي والعالمي؟ ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.