لا أظن أن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني في مصر سوف تفلح في الحد من التطرف في مجتمع شديد الطائفية ومن شيوخ أزهريين شديدي التعنت والجمود. وأتصور أنه لا بديل للدولة من أن تتحمل كامل مسؤوليتها وتتقدم بخطوات جادة لتفعيل قانون يجرم التطرف الفكري والدعوة للعداء ضد أصحاب الديانات الأخرى، فيحاسَب أي شخص يقف على أي منبر ويدعو للعداء ضد أي فصيل من فصائل المجتمع وإن كان شيخ الأزهر نفسه؛ إذ يبدو لي أن قانون ازدراء الأديان الذي تتبناه الدولة لا يختص إلا بالدين الإسلامي، وبالتحديد الذي يدعو إليه رجال الأزهر وغير ذلك، فحرية الازدراء مكفولة لأي عابر سبيل ضد أي جماعات أخرى! فهذه الازدواجية والكيل بميزانين لن نجني من ورائها إلا مزيداً من التطرف والانشقاق. فهل تفعل الدولة التي كان لها الدور الأعظم في زرع بذرة الطائفية في المجتمع المصري عندما صعدت بدوافع سياسية الخطاب الديني المحرض ضد اليهود بعد انقلاب ٥٢ فاجتر شيوخ الإسلام الأفاضل غير مشكورين كل ما حوت جعبة كتب التراث والفقه من حوادث تاريخية متعلقة بخلافات سياسية مع اليهود وألقتها في وجه "المجتمع المتدين بطبعه"؛ لمنح النظام السياسي تأييداً على أي انتهاكات تمارس ضدهم على حساب أمن وسلام المجتمع. كان اليهود يعيشون بالفعل في هدوء وسلام في المجتمع المصري دون أي غضاضة، بل على العكس كانوا يساهمون في شتى مجالات الحياة بخبراتهم وإبداعاتهم حتى دعت المتطلبات السياسية إلى خطاب ديني جديد معادٍ لهم، وبالفعل قام رجال الدين بالمهمة على أكمل وجه دون كلل أو ملل، فهل استيقظ رجال الدين من بعد غفلة لهذا العداء؟ وأين كانوا منه قبل ذلك؟! ولا عجب أن يتطور نفس الخطاب بعد ذلك إلى فصائل أخرى، فالذي بدأ التصنيف على أساس عقائدي لا بد أن يكمل الطريق إلى نهايته، فتبع اليهود الأقباط ثم تبعهم المسلمون أنفسهم ممن ينتمون إلى طوائف أخرى حتى تحول المجتمع بأسره إلى جماعات من الأقليات تجتمع تحت سعير العصبية، وأتعجب بسؤال عن الحال إذا نجح "المسلمون السنة" في دحر العقائد المختلفة في الحيز الضيق الذي يعيشون فيه فماذا يظنون هم فاعلين بالألف وثلاثمائة عقيدة حول العالم؟! أذكر تصريحاً لدكتورة أزهرية معروفة لا داعي لذكر اسمها عندما سُئلت عن سبب عدم ارتدائها الحجاب، عندما كانت لا تزال طالبة في الأزهر، فأجابت أنه لم يكن فرضاً في ذلك الوقت (وبالمناسبة هي نفسها التي أجازت سبي النساء في الحروب بدافع الإذلال اليوم وفي القرن الواحد والعشرين)، وإنه لشيء مضحك ومبكٍ في ذات الوقت، مضحك لمدى سذاجة الإجابة، ومبكٍ لأنه استهانة وإهدار لقيمة الدين ودليل على التطاول وفرض أشياء باسمه دون وجه حق. فلماذا لا يخجلون من أنفسهم لممارستهم المستمرة في عمليات تطويع الدين بما يوافق أهواء الساسة والمجتمع؟ كأن نقول: "عندك واحد معاداة لليهود وصلّحه" أو "ابعت لي فرضين واحد حجاب وواحد نقاب لزوم الثقافة السائدة". الحق أقول إنه لم يعد عندي أي أمل في نجاح محاولات تجديد الخطاب الديني في مصر في ظل هذا المناخ الفاسد، ولا أمل أيضاً أن تأخذ الدولة خطوات جادة لتفعيل أي قانون مدني يكفل حرية ممارسة العقائد الدينية وحمايتها من الاعتداء بالفعل أو اللفظ، فلا ثقة عندي في جديتها وصدق نيتها لمواجهة التطرف. لكني ما زلت أراهن على وعي الشعوب لنبذ الاضطهاد والعنصرية وإدراك أن الأمن يبدأ من سلوكيات الفرد تجاه الآخر، ونمو الوعي الذي يرفض أن يكون دمية في أيدي السياسيين ورجال الدين يوجهونها كيف يشاءون. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.