رغم أن الثورة التونسية انطلقت في الأساس من المناطق المهمشة في وسط البلاد لأسباب اجتماعية في الأساس قبل أن تكون سياسية، فإنه وبعد ست سنوات من سقوط نظام بن علي، لم تتمكن الحكومات المتعاقبة منذ 2011، من فك الحصار التنموي عن هذه المناطق.وتشهد المناطق المهمشة ارتفاع نسب البطالة، ما أجج الاحتجاجات في هذه الجهات بشكل يطرح أكثر من تساؤل بشأن تداعيات ذلك على مستقبل البلاد. فبنبرة تحمل كثيراً من اليأس وبصوت خافت يعكس حزناً وخيبة أمل، يروي ياسين بن قايد، (25 سنة)، معاناته اليومية في ولاية تطاوين (أقصى الجنوب) الغنية بالنفط، ورغم حصوله على شهادة الماجستير في الهندسة الميكانيكية، واستبشاره بأن الثورة لن تقدم له أقل من عمل يحفظ كرامته، إلا أنه إلى اليوم ما زال عاطلاً عن العمل رغم مرور ست سنوات من الصبر والانتظار. ويقول ياسين، للأناصول: «حلمي كان كبيراً بالثورة، واستبشرت بها لأنني كنت على يقين بأن طموحي سيتحقق بالحصول على شغل يضمن كرامتي». ويتابع: «ست سنوات على الثورة ولا تزال الوضعية تراوح مكانها، بل ازداد الأمر سوءاً من خلال تفشي البطالة في صفوف شباب هذه المحافظة التي تزخر بالحقول البترولية وتنتشر بها الشركات النفطية العالمية». 6 سنوات احتجاج ولم تنقطع الاحتجاجات الاجتماعية في تونس منذ ثورة 2011، وتمركزت خاصة في المحافظات الأقل نمواً في الوسط الغربي والجنوب الغربي والشمال الغربي للبلاد، على غرار محافظات القيروان والكاف والقصرين وتطاوين، التي تشهد أقل نسب التنمية مقارنة بالولايات الشرقية والشمالية الشرقية التي يغلب عليها الطابع السياسي، وتتمتع بخدمات أوفر. وفي حديث للأناضول، يقول رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مستقل) عبد الرحمان الهذيلي، إنّ «رقعة التحركات الاحتجاجية توسعت في المدة الأخيرة بشكل لافت ومثير للقلق ويهدد بنسف مكاسب الثورة.» وانتقد الهذيلي، بشدة أداء حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها يوسف الشاهد، قائلاً «هذه الحكومة لا تملك رؤية واضحة، وبعض وزرائها لا يعرفون تونس بتاتاً، فهي لا تمتلك برنامجاً ينظر بعمق للقضايا الاجتماعية في البلاد». كما اعتبر أن «إيجاد حل جذري للبطالة وتنفيذ المشاريع المعطلة وتحسين أداء الإدارة يمكنه تجاوز الأزمة الحالية». وتتخبط تونس منذ 2011، في أزمة اقتصادية خانقة، تجلى أثرها سلبياً على ضعف نسب النمو المحققة التي لم يتجاوز معدلها خلال الخمس سنوات الأخيرة %1.5. وخلال الخمس سنوات الماضية، تنوعت احتجاجات التونسيين في كل القرى والمدن بين الاعتصام والاحتجاج وقطع الطريق وتوقيع العرائض، والإضراب العام، واقتحام المؤسسات، وتعطيل نشاط بعض الإدارات، والإضراب عن الطعام، وخياطة الأفواه، والتهديد بالانتحار طلباً للتشغيل والتنمية ولتحسين ظروف العيش. من جانبه يرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي أن «الخطأ الكبير الذي وقعت فيه مختلف الحكومات المتعاقبة بعد الثّورة (8 حكومات) أنها لم تقدم برامج اقتصادية واجتماعية واضحة تنير السبل للتونسيين، وتقدم خارطة طريق إصلاحات واضحة المعالم. ولفت الشكندالي، للأناضول، إلى أن «جل الحكومات كانت تسير الشأن العام للدولة بطريقة يومية غير مبنية على برامج واضحة محددة في الزمن، وخاصة نتائجها تكون واضحة بعد فترة معينة».;