×
محافظة المنطقة الشرقية

الاسترليني يواصل ارتفاعه .. قلق حكومي وترحيب شعبي

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي حينما قرر الصينيون بناء حديقة تشانغ جيانغ للعلوم والتكنولوجيا في 2002 كانت استراتيجيتهم تحويل مدينة موحشة إلى مدينة عالمية واكتمال البني التحتية لها، لتصبح إحدى المدن التي تستقطب كبرى الشركات. اليوم بعد هذه الأعوام يقول المسؤولون في «تشانغ جيانغ» إن كل يوان تخصصه موازنة الدولة للمنطقة يجلب 14 يواناً من رأس المال الأهلي و12 دولاراً أميركيا من الاستثمار الأجنبي، وأضحت هذه المدينة من أهم المدن الاقتصادية في العالم في مجال صناعة رقائق الكومبيوتر ومشاريع الاتصالات التي تحمل علامة «صُنِع في الصين» في الأسواق الأوروبية والأميركية وأسواق جنوب شرق آسيا، وتصدر منتجات ببلايين الدولارات إلى أرجاء العالم. وبها 16 هيئة وطنية للبحوث العلمية، ومن أبرز الشركات العالمية التي اتخذت موقعاً لها في هذه المدينة IBM،GENERAI(CE)،INTEL وغيرها، مراكز لبحوث التطوير، ونحو مئة شركة للابتكارات و6 قواعد لـ«تفريخ المشاريع» الحديثة في أنحاء الصين. في دول العالم العربي مفهوم المدن الاقتصادية حديث وناشئ، فهي لم تستطع بناء مدن صناعية نموذجية أو حتى مكتملة البنى التحتية، وهناك 70 في المئة من المصانع تقبع خارج المدن الصناعية لسوء إدارة هذه المدن وتشغيلها وعدم قدرتها وضع معيار للجودة، وتسويق الخدمات، وربما نجحت إمارة دبي وأبوظبي في إنشاء مدن صناعية واقتصادية نموذجية بمعايير عالية وعالمية، حينما أسست المنطقة الحرة في جبل علي، وأتبعتها بمشاريع مكلمة، وكلها خلال فترات قصيرة، بعد أن أكملت بناء البنى التحتية فيها، وبلغت كلفتها 42 بليون دولار، وانتقلت من المدن الاقتصادية إلى المدن المتخصصة. لا يمكن الحديث عن المدن الاقتصادية من دون أن نذكر خطوة السعودية عام 2005 حينما أقدمت على إطلاق ست مدن اقتصادية دفعة واحدة، ولا تعرف ما الدوافع التي جعلت الحكومة السعودية لأن تطلق هذه المدن دفعة واحدة، على رغم قلة تجربتها وخبرتها، وعدم وجود خبرات إدارية وتشغيلية. ربما يأتي هذا رغبة من الدولة لاختصار مسافة التنمية التي تأخرت كثيراً لعدم التخطيط وغياب الاستراتيجية الواضحة لمستقبل الصناعة والاقتصاد في البلاد، فماذا قدمت هذه المدن الاقتصادية للمجتمع السعودي؟. الشيء الوحيد الذي يعرفه السعوديون أن هذه المدن الست في حال رأت النور ستخلق مليوني فرصة عمل، مع الانتظار الذي وصل إلى ثمانية أعوام بدأت فرص توفير هذا العدد من الوظائف تتقلص، بل إن حلم مدينة اقتصادية بمواصفات عالمية بدأت تطفو على السطح بنوع من الملل. في حائل توقف المشروع تماماً ولا أحد يعطيك معلومات حقيقية إلا من خلال أشخاص معينين وبصعوبة شديدة، والحال نفسها في جازان، وفي مدينة المعرفة في المدينة المنورة، تحولت الشركة إلى منافس لشركة طيبة العقارية في بيع العقارات وشرائها. أما «إعمار» المدينة الاقتصادية أو مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ فجل أخبارها منذ أكثر من عامين بيع مخططات وفلل وأراضٍ لبناء منازل. تكتم إعلامي شديد لأي أخبار أو نوع المشاريع الاقتصادية التي تنفذ. وفي الطريق مدينتان، ولا أعرف صحة المعلومات التي تشير إلى أن المدن الاقتصادية استقطبت 120 بليون دولار في الوقت الذي بعد كل هذه الأعوام لا تزال تواجه معوقات ومشكلات مالية وإدارية. في المقابل ظهر في الرياض مشروع وعد الشمال، وهو أشبه بمدينة اقتصادية. إنهما بمسمى آخر. حينما أُعلنت في 2005 مدينة الملك عبدالله الاقتصادية كان يفترض أن ترافقها جهات حكومية عدة وشركات متخصصة، تسويق، وأخرى ترويج، وأيضاً مخاطبة الشركات والمصانع الكبرى العالمية ومنحها مزايا وتسهيلات، سواء للمستثمر الأجنبي أم المحلي، وخلق منافسة مع بقية المدن الاقتصادية في الدول الخليجية المجاورة، من حيث الخدمات والأسعار، بما يحقق لها الهدف المنشود، وفي المرتبة الأولى إيجاد فريق إعلامي ماهر في صناعة الأخبار والعلاقات العامة، وترتيب جولات وزيارات لفريق من الصحافيين العالميين والمحليين وإطلاع المجتمع بكل جديد. الأمر الآخر أن هذه المدن سُلمت إلى مقاولين ومطورين عقاريين وليس إلى شركات متخصصة ذات كفاءة عالية، فتعاملوا مع هذه المدن على إنها مخططات عقارية، وليس بالطريقة الاحترافية، كما حدث مع مدينة العلوم والتكنولوجيا الصينية التي استقطبت شركات متخصصة وعالمية، وهذا ما جعل هذه المدن تتعطل في بداياتها، لغياب الخبرة والتجربة وأيضاً لحداثة مشروع المدن الاقتصادية في السعودية، ونحن على مقربة من عام 2020 لتحقيق المعادلة الاقتصادية، وما أعلن عنها أنه يتوقع أن تستقطب هذه المدن 500 بليون دولار، وإنها ستخلق مليوني وظيفة، فهل تستطيع هذه المدن المتعطلة تحقيق هذا الرقم خلال أعوام مقبلة؟ المدن الاقتصادية مفهوم جديد تعرف قيمته الدول الصناعية المتقدمة، هناك دول نقلت مصانعها إلى دول أخرى حينما وجدت أن كلفة التشغيل أقل بكثير من إقامتها في الداخل، مثلما فعلت الشركات الألمانية حينما أقامت أكثر من 7 آلاف شركة ومصنع في أوكرانيا. المدن الاقتصادية فرصة تنافسية لاستقطاب الشركات الكبرى والمميزة، وليس مجاملة الشركات الأجنبية بمشاريع ضعيفة وهشة وبرأسمال لا يزيد على مئة ألف ريال، يجب أن يتحرك فريق متكامل في اتجاهات مختلفة، والدخول في منافسة قوية. لا يكفي أن تفرح كلما رصفت رصيفاً وسفلت شارعاً، بل إننا في انتظار أن نعرف كل ريال صرفناه في هذه المدن كم ينبغي أن يجلب لنا من الدولارات واليورو، كما أن فتح صفحة في الموسوعة الحرة بموقع ويكيبيديا لا يعني إنجازاً، أتمنى قبل أن تسارع هذه المدن في تعبئة بياناتها، أن تقدم لنا على أرض الواقع ما يمكن اعتباره إنجازاً.     * صحافي وكاتب اقتصادي. jbanoon@