مفتاح شعيبيخفي تصاعد الحرب الكلامية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية خطراً هائلاً قد ينفجر في لحظة ما مواجهة عسكرية، طالما أصابع الطرفين على الزناد والتراشق بالتهديدات وتبادل استعراض العضلات العسكرية مستمر، بالتوازي مع دعاية إعلامية غربية طفقت تهلل للقوة الأمريكية العائدة ورأت في الضربة الموجهة مؤخراً إلى قاعدة عسكرية سورية وتجريب «أم القنابل» في أفغانستان رسالة مزدوجة إلى بيونغ يانغ وغيرها.الوضع صعب في شبه الجزيرة الكورية والعالم متوتر بسبب الاحتمال الكبير لحدوث أول مواجهة بالسلاح النووي إذا تم الأخذ بكامل الجدية تهديدات كوريا الشمالية التي أجرت استعراضاً عسكرياً ضخماً كشفت فيه عن صواريخ عابرة، وسط توقعات بأنها تتأهب لإجراء سادس تجاربها النووية لتضع العالم قاطبة في ساعات عصيبة، إذا تسرع الطرف المقابل ووجه ضربة عقابية كما ظل يهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الفترة الأخيرة، على الرغم من أنه يعلم أن تحركاً طائشاً من هذا القبيل قد يكون له ثمن باهظ وتداعيات أوسع. فبعض الآراء لا تستبعد اندلاع حرب شاملة بين أكثر من طرف إقليمي، وقد لا يقف الخطر عند هذا المستوى، فالعلاقات بين القوى العظمى في ذروة الاحتقان والأزمات مترابطة مثلما هي المصالح والأجندات. وما يجري من توتر بين روسيا وقوى غربية بزعامة واشنطن ليس خارج السياق. ولا يمكن أن يحجب الهدوء الدبلوماسي المصطنع والتصريحات السياسية المضللة حجم الخلافات. وقد حفلت الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن بإشارات كبيرة لهذا الاستقطاب الحاد الذي وصلت فيه لغة الخطاب إلى التقريع والتحذير الملغوم، بعدما حدثت ملاسنة قوية بين المندوبين الروسي والبريطاني. وغني عن البيان أن أسباب الحرب والمواجهة عادة ما تتم صناعتها وبناؤها زلة بعد زلة وتهديداً إثر تهديد. ولم يكن مستغرباً أن الرأي العام الغربي والدولي عموماً أصبح مشغولاً باحتمال اندلاع «حرب عالمية ثالثة»، وهو أمر مازال مستبعداً، ولكن أجواء ذلك الاحتمال أصبحت سائدة بدليل الحديث المتعمد عن القدرات العسكرية في العالم وعودة ثقافة المقارنة بين الأسلحة الاستراتيجية بين الشرق والغرب، فبعد ساعات من إلقاء القوات الأمريكية أكبر قنبلة غير نووية «أم القنابل» على كهوف لتنظيم «داعش» في أفغانستان، سارعت وسائل إعلام غربية إلى نشر معلومات عن قنبلة روسية تدعى «أبو كل القنابل» ذات قوة تدميرية أكثر بأربع مرات من القنبلة الأمريكية. وهذه الأسطوانة كانت مألوفة أيام الحرب الباردة، وقد عادت بقوة وخطورة هذه الفترة، حتى إن ميخائيل غورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفييتي، أكد أن العالم يستعد للحرب، وأن «خطاب السياسيين أصبح أكثر تشدداً، ووسائل الإعلام تتلقفه وتقوم بسكب الزيت على النار»، وقد أصاب في ملاحظته الأخيرة بالنظر إلى الأصداء السيئة التي تحدثها الدعايات الإعلامية من خلال مساهمتها المباشرة في تسميم المشاعر والعلاقات الدولية.إنها مرحلة حساسة يمر بها العالم، فهناك أكثر من أزمة مفتوحة على الحرب أكثر من السلام، وفي ظل تعطل اللغة الدبلوماسية وعجزها عن إيجاد الحلول تبقى احتمالات المواجهات المحدودة أو الشاملة أقرب إلى السياق الجاري، فمن يدرى ربما تكون الشرارة من كوريا الشمالية، مع التمني بأن تظل المواجهة محصورة في المبارزة بالتهديدات المتبادلة ولا تتحول بجنون إلى حرب قد تعصف بالكل. chouaibmeftah@gmail.com