في الوقت الذي يتأمل الناس مجموعة السيارات السريعة وقدراتها الهائلة على اجتياز حلبات السباق بلمح البصر ، يتبادر إلى الأذهان ما الذي يميز من يقود هذه السيارات ، خاصة أن الجولة النهائية للسباق تجري مساء اليوم ، هل من صعوبة تذكر في قيادة مركبة سريعة لمدة تصل إلى الساعتين ، وهل من الممكن أن نطلق على هذا الجانب من البطولة مسمى الرياضة؟! هناك الكثير من الجوانب النفسية والبدنية التي يجب أن يتمتع بها سائق الفورمولا وان ، وما لا يعرفه الكثيرون أن سباقات السيارات هي أكثر رياضة تطلباً لليّاقة البدنيّة والذهنية في العالم. فمتوسط سرعة تتعدّى الـ300 كم/ساعة ، يتطلب من السائق أن يحافظ على هدوئه وتركيزه على المسار ونقاط الكبح في الوقت الذي يبقى على تواصلٍ مع الفريق خارج مضمار السباق. ويقوم السائقون بطبيعة الحال بالاهتمام بصحتهم الذهنية إلى جانب الليّاقة البدنيّة ، وتأتي معظم الفرق بإخصائيين نفسيين من أجل التأكد من مقدرة السائق على البقاء بنسبة 100% من التركيز خلال فترة السباق. ومن أجل ذلك يقوم السائق بمراجعة مخطط الحلبة عدة مرّات ، بالإضافة إلى رؤية نماذج من لفات سريعة على الحلبة ، وتجربتها عبر جهاز المحاكاة قبل أن يصل إلى الحلبة. علاوة على ذلك يتعلّم السائقون طرق تنفّس تبقيهم بحالةٍ هادئة خلال اللحظات المهمّة ، بالإضافة إلى تدريبهم على عدم التأثر بالأجواء الخارجية ، حيث إن السائق حينما يدخل سيّارته فائقة السرعة يكون محاطاً بالفريق التقني والطبّي الذي يرافقه فضلاً عن الصحافيين وعشرات الآلاف من المشجعين على المدرجات. كما يتدرّب السائق على الانطلاقة عبر أجهزة تختبر ردود الفعل عند السائق حتى يتمكّن من الحصول على أفضل انطلاقة ممكنة. قلب سائق الفورمولا وان تفوق معدل نبضاته بكثير المعدل الطبيعي للإنسان العادي ، وهذا التكيّف يعود إلى التمارين المكثفة التي يخضع لها خلال التدريب. ويتعين على السائقين خلال الموسم الطويل لمنافسات الجائزة الكبرى أن يقوموا بأعمال تتطلّب جهدا من عضلة القلب كالركض وركوب الدراجة الهوائيّة، كما ان هذه الأمور تساعد في إبقاء وزن السائق منخفضاً. ويعتمد سائق الفورمولا وان حميّة غذائية مشابهة لباقي رياضات الميدان ككرة القدم ، حيث ينبغي عليه أن يحرص على الانتباه لكمية الكربوهيدرات والبروتين التي يتناولها. وخلال استعدادهم للسباق يتناول السائقون وجبة مرتكزة على الكربوهيدرات من أجل الحصول على الطّاقة. ويقوم السائق مباشرةً قبل السباق أو خلاله بشرب كميّات كبيرة من المياه ، الأمر الذي يجنّبه إمكانية التعرّض للجفاف بسبب التعرّق. كما أنّ الحرارة المرتفعة التي تتمتّع بها قمرة قيادة سيارة الفورمولا تُساهم في خسارة السائق لحوالي 2 إلى 3 كيلوغرام من السوائل خلال كُلّ سباق جائزة كبرى. الرقبة هي الأخرى عامل قوة أساسي لمن يخوض غمار منافسات الجائزة الكبرى لسيارات الفورمولا وان ، فالرأس والخوذة يزنان معا حوالي 6 كيلوغرامات. وحين يتعرض السائق لقوة جاذبية بقيمة 4 جي خلال الانعطاف في إحدى السباقات، على الرقبة أن تتحمل 24 كيلوغراما. تُعدّ الرقبة من أهمّ العضلات لدى سائق الفورمولا وان ، ولهذا يتم خلال التدريبات ربط رقبة السائق بنوعٍ من الشرائط المرنة من أجل محاكاة تعرضها لقوة الجاذبيّة. ويقوم السائقون علاوةً على ذلك بممارسة تمارين التجديف ورفع الأثقال، ولكن يتوجب عليهم الاحتراز من القيام بتمارين زائدة عن اللّزوم حيث إن قمرة القيادة صغيرة لا تسع شخصاً محترفا في رفع الأثقال. كما يحتاج السائقون إلى أيد قويّة دون امتلاكهم وزن زائد بسبب العضلات في كلتا اليدين ، حيث إنّهم يريدون عضلات قويّة وخفيفة في نفس الوقت من أجل التعود على تحمل الإمساك بمقود السيّارة طوال فترة السباق. ويقوم بعض السائقين بالاتزان على كرة مخصصة للتمارين ويحملون أمامهم كتلة تزن 5 كيلوغرامات، كما يقومون من أجل تحسين قبضتهم برفع كتلة تزن حوالي 3 كيلوغرامات والقيام بانعطافات قليلة في معصمهم. نفس الأمر ينطبق على الأرجل إذ إن السائقين يحتاجون إلى أرجل قويّة لكن خفيفة في نفس الوقت. وتعتبر دواسة المكابح في سيارة الفورمولا وان أقسى من تلك التي تستخدم في السيارات العادية، الأمر الذي يتطلّب جهدا مضاعفا من عضلات الأرجل عند القيام بعمليّة الكبح. ولهذه الغاية يقوم السائقون بتمارين عدّة منها رفع أثقال تصل وزنها لـ90 كيلوغراماً بواسطة كلتا الرجلين ومن ثم إفلاتها بسرعة، و العودة إلى رفع الوزن بإحدى الرجلين حسب تعليمات المدرّب الشخصي. كل ما ذكر وأكثر يجب أن يتوفر في سائق الفورمولا وان من أجل أن ينافس على مراكز متقدمة في سباقات الجائزة الكبرى، فليس من السهل أن يكون الشخص سائقا لسباقات السيارات الأسرع على كوكب الأرض.