طوال نصف قرن، حلم الباحثون بمنح مرضى السرطان لقاحاً يساعد جهاز المناعة في تحديد الأورام كأنسجة غريبة والقضاء عليها، إلا أن مئات المحاولات ساعدت عدداً قليلاً من المرضى. لكن مقاربة جديدة تعدّل اللقاحات الشخصية وفق طفرات البروتين في ورم المريض حالت على ما يبدو دون الانتكاسة في حالة 12 مريضاً يعانون سرطان الجلد. كذلك ساعدت آخرين في تعزيز قوة نوع جديد من أدوية السرطان يعتمد آلية مختلفة لإطلاق هجوم مناعي ضد الورم. في اللقاء السنوي للجمعية الأميركية لبحوث السرطان في العاصمة واشنطن، قدّم فريق الباحثة كاثرين وو (في معهد دانا-فاربر للسرطان في بوسطن) نتائج توصل إليها أخيراً تتعلّق بلقاحات ضد السرطان. تذكر الباحثة في هذا المجال: «نشعر بحماسة كبيرة، فهذه لحظة جديدة للقاحات السرطان الشخصية». كذلك يملك فريق ثانٍ بيانات مشجّعة مماثلة. من ثم، تبدو دراستان صغيرتان تهدفان إلى اختبار مدى الأمان وردود الفعل المناعية «واعدتين» بالتأكيد، حسبما يشير درو باردول من جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور بماريلاند. لكنه يحذّر من أن «الوقت ما زال مبكراً» لاستنتاج الخلاصات عما إذا كانت هذه اللقاحات تطيل حياة مرضى السرطان. طفرات البروتين كانت لقاحات السرطان الفاشلة السابقة تستهدف عادةً بروتيناً سرطانياً مميزاً واحداً يتشارك فيه المرضى كلهم. إلا أن اللقاحات الجديدة تضمّ عدداً من طفرات البروتين أو «المستضدات المستحدثة» التي يحتوي عليها ورم كل مريض على حدة. ومن المفترض أن يساهم منح المرضى جرعة من مستضدات أورامهم المستحدثة، التي تبدو غريبة بالنسبة إلى جهاز المناعة، في تنشيط خلايا مناعية تُدعى الخلايا التائية بغية مهاجمة الخلايا السرطانية. تشير دراسة نُشرت قبل سنتين في مجلة Science إلى إمكان نجاح هذه الإستراتيجية: أظهرت أن لقاحاً اعتمد على مستضدات مستحدثة حفّز ردود الفعل المناعية في حالة ثلاثة مرضى عانوا حالة متقدمة من الميلانوما وكانوا تلقوا دواء للسرطان. ولكن في تلك المرحلة، لم يستطع الباحثون تحديد ما إذا كان اللقاح ساهم في الحد من نمو السرطان. أُجريت دراسة جديدة ضمت ستة مرضى يعانون سرطان ميلانوما منتشراً في العقد اللمفاوية وأحياناً في مواقع أخرى. استؤصلت أورام المرضى جراحياً، إلا أن احتمال معاودتها النمو كان كبيراً. أعدّ فريق وو تسلل حمض الأورام النووي في حالة كل مريض واستخدم أساليب محوسبة لتوقّع الطفرات التي تحدد شفرات المستضدات المستحدثة. عمل الباحثون بعد ذلك على إعداد لقاح خاص لكل مريض يحتوي على نحو 20 من هذه المستضدات المستحدثة. حقن الباحثون اللقاح تحت جلد المرضى دورياً طوال خمسة أشهر. لم يختبر المرضى أعراضاً جانبية خطيرة وتمتعوا «بردود فعل قوية وفاعلة من الخلايا المناعية» ترتبط بكثير من المستضدات المستحدثة في لقاحهم، وفق وو، التي قدّم زميلها نير هاكوهين من معهد «برود» في كامبريدج بماساتشوستس النتائج في لقاء الجمعية الأميركية لبحوث السرطان. ولم يعاود السرطان الظهور في حالة هؤلاء المرضى جميعاً بعد مرور 32 شهراً اليوم. صحيح أن المريضين اللذين كانت حالتهما الأكثر تقدماً انتكسا، إلا أن فريق وو لجأ إلى سلاح إضافي: علاج مناعي يُدعى مثبط PD-1. تعوق أدوية الأجسام المضادة هذه مستقبلات الخلايا التائية التي تستخدمها الأورام للاختباء من جهاز المناعة. كذلك تنجح بمفردها في القضاء على الأورام في حالة مَن يعانون أنواع سرطان لا أمل بعلاجها بأية طريقة أخرى. على سبيل المثال، تساعد في حالة الميلانوما النقيلي نحو %40 من المرضى، إلا أن %5 فقط من الأورام تختفي بالكامل. وعندما أُعطي المريضان اللذان انتكسا في دراسة وو مثبط PD-1، اختفت أورامهما الجديدة بالكامل. تجربة أخرى نحصل على نتائج مماثلة من تجربة دولية أخرى استخدمت لقاحاً طوره يوغور ساهين من المركز الطبي الجامعي في جامعة يوهان غوتنبرغ في ماينز بألمانيا. حقن الفريق شفرة الحمض النووي الريبي الخاص بنحو 10 مستضدات أورام مستحدثة في العقدة اللمفاومية لثلاثة عشر مريضاً يعانون الميلانوما واستؤصلت أورامهم. ظل 11 منهم خالين من الأورام بعد مرور 26 شهراً، بينهم اثنان عاودت أورامهما الظهور لتتقلص أو تُستأصل جراحياً، وفق ساهين. كذلك تلقى مريض عاود السرطان الظهور في جسمه مثبط PD-1 وما زال خالياً اليوم من الأورام. نُشرت نتائج دراستَي وو وساهين، وما زال اثنان من المرضى الثلاثة في التجربة السريرية الأولى التي نُشرت قبل سنتين في حالة تعافٍ بعد مرور أكثر من سنتين ونصف سنة، مع أن أحدهما انتكس وتلقى بعد ذلك مثبط PD-1، وفق قائد التجربة جيرالد لينيت من جامعة بنسلفانيا. لكن باردول وآخرين يحذّرون من أن من المستحيل تحديد ما إذا كانت لقاحات المستضدات المستحدثة تقدّم أداء أفضل من مثبط PD-1 وحده من دون اللجوء إلى دراسات أكبر. وتشمل الأسئلة المطروحة الأخرى: ما أفضل طريقة لتطوير لقاحات المستضدات المستحدثة وإعطائها للمريض؟ لا تزال هذه اللقاحات اليوم باهظة الثمن ويستغرق إعدادها أشهراً، علماً بأن هذه الفترة ربما تكون أطول مما يتبقى لمرضى كثيرين يعانون سرطاناً في مراحله الأخيرة. مباراة يطلق عدد من شركات التكنولوجيا الحيوية تجارب تجمع بين لقاحات المستضدات المستحدثة وبين المثبطات بغية علاج أنواع مختلفة من السرطان، من بينها شركة Neon Therapeutics في كامبريدج التي ساهمت وو وهاكوهين في تأسيسها. على سبيل المثال، يحاول معهد باركر لعلاجات السرطان المناعية في سان فرانسيسكو بكاليفورنيا، الذي أنشأه قبل سنة أحد مؤسسي Napster الثري شون باركر الذي يعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية، اكتشاف كيفية إعداد أفضل اللقاحات بتنظيمه مباراة. ستتلقى 30 شركة ومجموعة أكاديمية المجموعة ذاتها من عينات الأورام من عدد من المرضى وستحاول توقّع أفضل المستضدات المستحدثة. يعمد معهد باركر وراعٍ آخر بعدئذٍ إلى اختبارها في تجارب مخبرية ليقدّمَا عقب ذلك النتائج إلى المشاركين كي يتمكنوا من تحسين برامجهم. يوضح نائب رئيس قسم البحوث في معهد باركر فريد رامسديل: «سنكوّن في نهاية المطاف فكرة جيدة عن كيفية اختيار المستضدات المستحدثة الأفضل للقاح».