أعلن قادة إسرائيل الحرب على صحيفة، ودعوا إلى إلغاء الاشتراكات فيها ومضايقتها مادياً بهدف إضعافها، وربما إغلاقها. والسبب مقالٌ معادٍ للمتدينين اليهود الوطنيين الذين يؤيدون، بسوادهم الأعظم، حزب المستوطنين «البيت اليهودي» ويقيمون في مستوطنات القدس والضفة الغربية. أما الصحيفة المعنية، فهي «هآرتس» الليبرالية القريبة من اليسار الصهيوني. كتب المقال الصحافي الإسرائيلي يوسي كلاين الذي تطرق فيه إلى النفوذ الآخذ في الاتساع للمستوطنين ومعتمري الطاقية الدينية من التيار «الصهيوني الديني»، وجاء فيه: «المتدينون الوطنيون خطيرون. إنهم أخطر من حزب الله، إنهم أخطر من السائقين الذين يدهسون، والبنات مع المقص... ماذا يريدون؟ الاستيلاء على الدولة وتنظيفها من العرب؟... وطنيتهم الدينية وطنية متطرفة مغلّفة بالخوف من الخالق. إنها تتغلغل في جهاز التعليم، وتتعزز في الجيش وتؤثر في المحكمة العليا... إنهم في الطريق إلينا... لحظات ويقتحمون بيوتنا». وتابع: «أعطوهم ترانسفير وسيكونون معكم إلى الأبد. إنهم أوفياء لمن يعطيهم... إنهم يرقّصون رئيس الحكومة على إصبعهم الصغير والوزراء كالدمى على الخيطان». وحذر من «استعلاء الصفوة الأشكنازية»، ومن أن «مَن سلب حرية الفلسطيني سيعمل على سلب حرية مَن ليس منه، ومَن يهوديتُه تختلف عن تعريفه اليهودية». وكان رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو أول المنددين بالمقال «المعيب والحقير»، وطالب الصحيفة بالاعتذار من جمهور المتدينين الواسع، «ملح الأرض»، كما وصفهم، تبعه رئيس الدولة رؤوبين ريبلين وقادة الأحزاب من الائتلاف والمعارضة الذين يتوددون في العادة إلى المستوطنين. وخرج وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، الذي يقيم في مستوطنة «نوكديم» ويقود الحزب المتطرف الداعي إلى ترحيل الفلسطينيين، بنداء في صفحته على «فايسبوك» للتوقف عن قراءة «هآرتس» والاشتراك فيها، فـ «الصحيفة تحوّلت منذ فترة إلى منصة تعكس بشكل واسع مواقف كارهي إسرائيل»، مضيفاً أن موافقة هيئة التحرير على نشر المقال تؤكد أن الصحيفة «فقدت بوصلتها، وأن الكراهية تجاه كل إسرائيلي ويهودي مسّت بعقول أصحابها». وطالب النائب من «البيت اليهودي» المستوطن سموتريتش، وزارة الخارجية بوقف الاشتراك في الصحيفة لممثلي إسرائيل في أنحاء العالم «كي لا نكون شركاء في بث السموم من مدرسة هآرتس». واندرج الهجوم على الصحيفة ضمن الحرب التي أعلنها نتانياهو واليمين على وسائل الإعلام المختلفة، العامة والخاصة. فبعدما أحكم نتانياهو قبضته على سلطة البث الرسمية، فإنه يحاول أن تطاول يداه قنوات التلفزة التجارية وصحيفتي «يديعوت أحرونوت» و «هآرتس» بداعي أن الأخيرتين تناصبانه العداء الشخصي. وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الصحيفة إلى هجوم من اليمين، إذ تعرضت إلى أعنف حملة مع بدء انتفاضة القدس عام 2000 على خلفية نشرها أسماء الشهداء الفلسطينيين، فشُنت حملة منظمة لوقف الاشتراكات في الصحيفة، وفعلاً تم إلغاء عشرات آلاف الاشتراكات. واعترف مالكها عاموس شوكن بدخول الصحيفة في أزمة حادة ما زالت تعيشها، لكنها لم تغير خطها الليبرالي وفتح صفحاتها أمام كتّاب الرأي والمقال اليساريين والعرب.