صحيفة مكة - مكة المكرمة أكد الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام والمستشار في الديوان الملكي أهمية مناقشة المراجعات الفكرية في المؤتمر الثاني لمكافحة الإرهاب، محذرًا من مسألة التّكفير التى زلَّت فيها أقدامٌ ما كان لها أن تزلّ، وضلّت أفهام ما كان لها أن تضلّ، وخاضت ألسنةٌ وأقلام بغير علمٍ ولا برهان. وقال: مَن تأمَّل مقاصدَ الشّرع في العبادات والمعاملات والآدابِ والأخلاق والأوامِر والنّواهي تبيّن له مقصدٌ كبير وغاية عُظمى، تلكم هي جمعُ الكلِمة وغرسُ المحبّة وزرعُ الأُلفة ونشر المودّة بين أفرادِ الأمّة، والحثّ على التناصُر والتعاون والبُعد عن أسباب العداوة والبغضاء وما يحمِل على الكراهة والشّحناء وما يثير الأحقادَ وضَغائن القلوب والتحذيرُ الشديد مِن الطّعن في المسلمين وعيبِهم وهمزِهم ولمزهِم وإبداء عوراتِهم وتتبُّع عثَراتِهم والتّشهير بهم وإساءةِ الظنِّ بهم والاتهام ببدعةٍ أو كفر أو فسوقٍ أو نفاق أو ظلمٍ أو جهل. واضاف بن حميد: إنَّ متغيِّراتِ العصرِ ومضلاّت الفتَن وتكالبَ الأعداء وتداعيَ الأكَلَة تدعو المسلم الغيورَ على أمّتِه النّاصح لإخوانه لأن يربَأ بنفسه أن يكونَ مِعوَلًا في يدِ أعدائه مِن حيث يدري أو لا يدري، يقعُ في إخوانه المسلمين، فيَشتم هذا، ويشهِّر بهذا، ويتنقّصُ هذا، ويحتقِر هذا، ويكفِّر ويبدِّع، بل قد يسلَم منه الكافرُ والمشرك، ولا يسلم منه أخوه المسلم. وبهذه المناسبة لنا وقفةٌ عِند فتنة خطيرةٍ، بدأت تُطِلّ برأسها في بعض المجتمعات والفئات، ينبغي أن يتنادَى أهلُ العِلم والإيمان والفضل والصّلاح والدّين والغيرة إلى مقاومتِها والتّحذير منها. حذّر منها السّلفُ رحمهم الله، وبيّنوا خطرَها وعوارها، إنّها مسألة تكفير المسلمِ لأخيه المسلم والمجازفةُ بالحكم على المسلم بخروجه من ملّةِ الإسلام وعدِّه مِن أهلِ الكفرِ والشّرك والقطعُ والجزم بأنّه خالد مخلّدٌ في النّار عياذًا بالله، ولا حولَ ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم. ومسألةُ التّكفير مِن المسائل الكبار والقضايا العِظام، لها آثارُها العظيمة، فلا يحلّ لمسلم أن يقدِم عليها إلا ببرهانٍ عنده من الله ودليلٍ هو في دلالته أوضحُ من الشّمس في رابعة النّهار. لقد نبّه أهلُ العلم سلفًا وخلفًا إلى خطورةِ هذه المسألة وعِظم شأنِها وما يترتّب عليها من آثارٍ وتبِعات في الدّنيا وفي الآخرة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «أعلم أنّ مسائل التّكفير والتّفسيق هي من مسائلِ الأسماء والأحكام التي يتعلّق بها الوعدُ والوعيد في الدّار الآخرة، ويتعلّق بها الموالاة والمعاداة والقتل والعصمةُ وغير ذلك في دار الدّنيا، فإنّ الله سبحانه أوجَب الجنّة للمؤمنين، وحرّم الجنّة على الكافرين، وهذه الأحكام الكلّية في كلّ وقت وفي كلّ مكان». وتابع الشيخ بن حميد: ففي مسألة التّكفير زلَّت أقدامٌ ما كان لها أن تزلّ، وضلّت أفهام ما كان لها أن تضلّ، وخاضت ألسنةٌ وأقلام بغير علمٍ ولا برهان، فينبغي الحذرُ من ذلك كلِّه، والسّلامة لا يعدِلها شيء، كما ينبغي الحرصُ على جمعِ كلمة المسلمين.