بالأمس، وقبل 42 سنة، في 13 أبريل (نيسان) من عام 1975، اندلعت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية. وعلى مرّ سنوات حصدت آلاف الأرواح من مختلف الانتماءات السياسية ومن جميع الأديان بطوائفها ومذاهبها، تحت مسميات مختلفة. في كل عام يستحضر اللبنانيون مآسي هذه الحرب ومخلفاتها، في محاولة منهم لإنعاش ذاكرة ماض أليم؛ تفاديا لتكرار المأساة والغرق مرة أخرى في أوحال حرب قد تبتلع العباد والجماد. من ضمن النشاطات التي يشهدها لبنان استذكارا للمناسبة، يقدم المسرحي يحيى جابر، مسرحية «هنا بيروت» لأربع ليال فقط، العمل من إعداده وإخراجه، ومن إنتاج جمعية «مارش». «اخترنا أبطال المسرحية، من مناطق فقيرة، وجميعهم شبان وشابات مهمشون، تراوح أعمارهم بين 15 و16 سنة». هكذا عرّف جابر في حديث مع «الشرق الأوسط» أبطال مسرحيته، التي بدأت أول عروضها أمس، على خشبة مسرح «فردان»، لتتنقل لأربع أمسيات في مسارح مختلفة. وأضاف: «ليسوا محترفين... جرى اختيارهم بعد (كاستينغ) ليشاركوا في هذا العمل، وخضعوا لورشات تدريب، لكنهم يملكون مواهب». ويوضح جابر أن غالبية الشباب يعيش تحت وطأة العصبيات والتهميش، قائلاً: «حاولت أن أجعل منهم عينة؛ فهذه الفئة من الشباب هي وقود للحرب، يجري تجييشهم وتعبئتهم لقضايا السياسيين المذهبية الداخلية». حاول جابر، حسب قوله، من خلال هذا العمل، أن يقدم علاجاً آخر لهذه الفئة العمرية مغايرة لتلك التي يتربون ويترعرعون عليها من أمراض يكتسبونها من السياسيين، من تعصب وكراهية تولد بين بعضهم بعضا، ورغبة في إيذاء الآخر، وأحكام مسبقة تطلقها كل فئة ضدّ الأخرى من الطوائف. ما يميز «هنا بيروت» أن المسرحي يحيى جابر رغب لأول مرة في تسمية الأمور بأسمائها، فجاءت صريحة جريئة. وفي ذلك يقول: «بحثت في الأمثال الشعبية التي يتداولها اللبنانيون بمختلف طوائفهم، فوجدت فيها الكثير من التحريض على كراهية الآخر متأججة في أعماقهم، فحاولت من خلال هذا العمل الدخول إلى هذا اللاوعي النفسي والطائفي عند اللبنانيين عبر شباب يظهرون للمرة الأولى على خشبة المسرح». يعتقد جابر أن العمل المسرحي لا بد أن يكون جريئاً وعاريا؛ فالمسرح بمفهومه خشبة اعتراف: «لا بد أن نعترف أولا، لا نستطيع أن نخفي أمراضنا الاجتماعية بعد اليوم، وأنا من الذين يضعون هذه الأمراض على خشبة المسرح، أحاول إظهار الحقيقة عارية، كما هي». اللافت أن عروض المسرحية بلياليها الأربع، مجانية، فمن يرغب من الجمهور في الحضور فليأت من دون دفع ثمن تذكرة الدخول. لـ«هنا بيروت» نكهة مميزة وطعم خاص؛ فهي ليست المسرحية الأولى التي يؤلفها المسرحي جابر، بيد أنها المرة الأولى التي يعمل فيها مع أشخاص مهمشون، وفي ذلك يقول: «يحق لأقدام الفقراء أن تطأ خشبة المسرح».