في الوقت الذي ضرب فيه الإرهاب معظم أجزاء هذه المنطقة ومناطق أخرى من العالم خلال العقود الثلاثة الماضية، لم تتعرض إيران منذ ثورة الخميني عام 1979م إلى أي عمل إرهابي رغم تعدد اثنياتها وقومياتها، ورغم دموية النظام في استئصال بقايا الامبراطورية، وقبل هذا رغم جوارها اللصيق مع أكثر مناطق التوتر في العالم كما في أفغانستان، والعراق، مما يثير الشبهات عن صلاتها العميقة بالإرهاب والإرهابيين، وهي التي طالما احتضنتْ عددًا من رموز القاعدة، وسهلتْ عملية تنقلهم عبر أراضيها من أفغانستان إلى العراق كما جاء في كثير من التقارير الغربية، والتي تؤكد ضلوع نظام طهران في تقديم الدعم المادي واللوجستي للقاعدة، وتاليا لنسختها داعش، سيما وهي اليوم تجوب العراق عرضًا وطولًا لكنها لا تتصادم مع داعش بأي شكل من الأشكال عدا الصدام المنبري أو الإعلامي، ويرجح عدد من المراقبين أن بقاء إيران في منطقة الحياد من الإرهاب لا يمكن أن يكون بلا ثمن، إلا أن تكون قد دفعتْ ذلك الثمن تعاونًا وتنسيقًا، إن لم يكن على صيغة تبادل الخدمات، خصوصا مع تقارب وتناغم الأهداف في كثير من الأحيان. من هنا، وتأسيسا على هذا الواقع الذي حيّد الأراضي الإيرانية عن عمليات الإرهاب، يتضح جليا أن إيران التي استثمرت وهم شعوب المنطقة أو بعضها على الأقل في التهليل للثورات، كانت تخفي تحت عباءة الولي الفقيه ذهنية الإرهاب، وتوظفها كآلية لتثبيت أركانها، ولولا هذه الحالة من الوفاق مع الإرهاب لما بقيتْ على الحياد، ولما بقيتْ بمنأى عن الاحتكاك مع داعش التي لا تبعد عنها سوى بضعة مئات من الكيلومترات، بينما بلغتْ أذرع داعش الإرهابية سوريا، وسيناء، وليبيا، ونيجيريا، وغيرها، بينما خصمها المذهبي على مرمى حجر من تواجدها في الموصل والرقة، على افتراض أن الخصومة تتركز في الإطار المذهبي، بينما الواقع يؤكد أن هذا اللغو حول المذهبية ما هو إلا بعض آليات التضليل للمجتمعات لصرف الأنظار عما يجري في الخفاء من تحالفات إرهابية تصل إلى حد وحدة الهدف والغاية، وإذا لم تتوفر الدلائل المادية على هذه التحالفات فإن قراءة خارطة العمليات الإرهابية التي تأذّى منها الجميع باستثناء إيران تكفي لإقامة الحجة على طهران لدورها فيما يجري من الخروقات الإرهابية.