×
محافظة المنطقة الشرقية

لماذا استقال بنكيران من منصبه في البرلمان؟ حزبه قدَّم إجابتين

صورة الخبر

< من أكبر المعارك التي يقودها الرئيس ترامب هي مع منظومة الأحزاب، إذ عرقل الكونغرس تعيين كثير من مرشحي الرئيس لمناصب في إدارته، مما تسبب في عدم اكتمال دائرة العمل حوله، وما زال الكونغرس يعرقل تعيين 28 موظفاً في إدارة الرئيس الذي ما زال يحتاج للموافقة لتعيين نحو 700 موظف ليس هذا فحسب، بل نجح الكونغرس في تسجيل نقاط خطرة ضد إدارة ترامب باستغلال اتصال قام به مستشار الأمن القومي مايكل فلين مع السفير الروسي وناقش فيها إمكان رفع العقوبات الأميركية على روسيا. منذ بداية عهد الرئيس ترامب وظهور التسريبات أدى لانتشار مخاوف أن يتعرض الرئيس الأميركي لابتزاز روسي، وكذلك اتهامات لفلين بتجاوز قانون يمنع الأشخاص العاديين من التحدث بالنيابة عن الحكومة الأميركية أو ممارسة السياسة الخارجية من دون صفة رسمية، ما أدى لإجباره على الاستقالة. وظاهرة مايكل فلين تدل على مؤشر مهم وحتى لو ظل مايكل فلين في عمله فلن يكون قادراً على إيجاد أي تفاهم مع الديموقراطيين في الكونغرس، ما كان سيؤدي حتماً لفشله، وأخيراً نجح الديموقراطيون في فتح تحقيق مع الرئيس ذاته لذات التهم، محاولين الإيقاع بحكومته وبه شخصياً وربما إجباره على الاستقالة، وسبقت ظاهرة فلين ظاهرة أخرى وهي تعيين وزير العدل الأميركي جيف سيشينز والذي أثير حوله زوبعة أخرى بسبب اتهامات بالعنصرية، ما يبشر بعلاقة متوترة مع الكونغرس. يبدو أن هناك توزيعاً للأدوار نفسها الذي ساد المشهد المصري، فأحد أفضل الأسلحة المستخدمة هي التسريبات التي يأتي أغلبها من الاستخبارات، فما إن يتسرب أي خبر سواء حول احتمال تهرب الرئيس من الضرائب، أم عن تدخل روسيا في الانتخابات من طريق اختراق حواسيب الحزب الديموقراطي، أم التسريبات حول مكالمات فلين مع السفير الروسي حتى يتلقفها الإعلام والقوى السياسية سواء في الحزب الديموقراطي الخصم أم حتى الشخصيات النافذة في الحزب الجمهوري لتكيل الاتهامات للرئيس، وانتقال الصراع الذي بدأ حول شخصية الرئيس وسياساته إلى صراع على مشروعيته، فالديموقراطية الأميركية العريقة في حال صدمة من احتمال أن تكون دولة مثل روسيا، تعتبر معادية في العرف السياسي - الاستراتيجي الأميركي ومتخلفة حضارياً وديموقراطياً في العرف الأنجلوساكسوني الغالب وتمثل قزماً اقتصادياً مقارنة بأميركا، تمكنت بالتدخل في الانتخابات لدرجة التأثير على نتائجها، والمشكلة الأكبر في نظري أن موقف الرئيس ترامب الودي مع الرئيس بوتين وروسيا عزز هذه الأحاسيس، وهو من أسباب العداء الشديد الذي أصبحت قوى اليمين الأميركي تكنه للرئيس ترامب لدرجة أنها تتهمه باللامشروعية وتسعى لإسقاطه. أهم أخطاء الرئيس ترامب هو اصطدامه بالمؤسسات غير السياسية التي تحظى باحترام الرأي العام والمجتمع السياسي والإعلامي، وهي مؤسسة الاستخبارات الأميركية وفروعها الرئيسة مثل «السي آي إيه» ومؤسسة الأمن القومي، وهي مؤسسات تقع دائماً خارج نطاق التجاذب السياسي الدائم بخلاف الأحزاب السياسية والإعلام الخاضع بطبيعته لهذه التجاذبات، ولا يبدو الرأي العام والمؤسسة مستعدة لتقبل إضعاف لدور أو سمعة المؤسسات الأمنية الكبرى المنوط بها حماية الأمن القومي للبلاد، ومن طريقة تعامل الرئيس ترامب مع القوى المعادية له يظهر أنه رجل ليس فقط عديم الخبرة في السياسة، بل إن داءه الأول هو النرجسية والميل الشديد للمواجهة والصراع مع الجميع. القضية لم تعد مرتبطة بالصراع بين ترامب والمؤسسة الحزبية، بل انتقال الصراع بين المؤسسات الحاكمة وبعضها، فقرار حظر دخول المهاجرين المسلمين أشعل الصراع بين المؤسسة القانونية والقضائية وبين مؤسسة الرئاسة، وسعي ترامب لتقويض سمعة الاستخبارات ومجلس الأمن القومي وإضعاف دورهما الحيوي في رسم السياسة العامة والخارجية للدولة بهدف إخضاعهما لسلطته الشخصية والدائرة المقربة من الأقارب والمستشارين، وهو أمر غير مسبوق في الديموقراطيات الدستورية، وهو أقرب للعقلية الأوتوقراطية الحاكمة للعالم الثالث، وآخر مظاهر الفشل هو رفض الكونغرس الجمهوري التصويت على برنامج الرعاية الصحية الذي اقترحه الرئيس ترامب والذي كان من أكبر وعوده الانتخابية وهو إسقاط واستبدال برنامج «أوباما كير» الذي يبدو أنه سيستمر لفترة طويلة. أعتقد أن الرئيس ترامب لن يتمكن من إنجاز تعهداته بالوظائف وتحسين الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة عبر إعادة التفاوض حول اتفاقات التجارة الدولية التي يرى أنها غير عادلة لبلاده، أو إدارة الصراع المتوقع في الشأن الخارجي للحفاظ على مكانة الولايات المتحدة وتحالفاتها الدولية في أوروبا أو شرق آسيا أو الشرق الأوسط في حال استمرار صراعه الدائم مع مراكز السلطة والقرار السياسي والتشريعي والمالي والإعلامي والاستخباري، فأي قرارات سواء لها علاقة بالهجرة أم تحسين موقف أميركا في الاتفاقات التجارية الدولية أو الأمن الاستراتيجي مع الصين وروسيا وإيران وعلاقته بالناتو ستحتاج قدراً من التوافق الداخلي في الولايات المتحدة، وتتطلب أن يحصل الرئيس على دعم جزء كبير من مراكز القوى المتعددة المراحل والتي لا يملكها الآن، ولن يستطيع مستشاروه للأمن القومي أو وزارة الخارجية أو الدفاع الحصول على دعم الكونغرس الحيوي، وكذلك المعلومات الاستخبارية اللازمة لإدارة سياساته المحلية والعالمية، بخاصة أن القوى الدولية ستكون أقل استعداداً لتقديم تنازلات أو حتى للتعاون مع رئيس يبدو ضعيفاً داخلياً ويعيش في صراع دائم مع مراكز التشريع والمال والإعلام في بلاده، ما قد يعرض الولايات المتحدة لمزيد من الضغوط والتهديدات من قوى دولية ستتعمد تحديه وإحراجه ووضعه في صورة تظهر ضعف وتشتت مراكز القرار في أميركا، هذا الضعف سيؤدي للمزيد من التصعيد الداخلي ضد ترامب من خصومه الذين سيتهمونه بتعريض مصالح الولايات المتحدة لمخاطر خارجية، ما قد يضع الرئيس ترامب أمام إمكان الاستقالة أو مواجهة مواقف تفقده مشروعيته كرئيس، أو تحوله إلى «بطة عرجاء» غير قادر على فرض سياسته أو حتى تسويقها داخل الولايات المتحدة وخارجها، فحتى حلفاء أميركا سيجدون صعوبة متزايدة في الاعتماد على رئيس ضعيف ليس من الممكن الوثوق بقراراته، مما يهدد التحالف الغربي من أساسه. المؤكد أن القوى المعادية والمنافسة للولايات المتحدة تراقب قوة ترامب الداخلية ومدى استقرار علاقته بمراكز القوى الداخلية، وسنرى قيام إيران وروسيا والصين بمواقف من شأنها اختبار ردود فعل الرئيس الجديد، وإذا ظهر ما يفيد إما ضعف الرئيس في اتخاذ القرار أو رفض الكونغرس لسياسته أو فشل على أي مستوي سياسي سيبدو الرئيس ترامب مثل غورباتشوف الذي وقف يشاهد انهيار القوة الدولية لبلاده وتراجع حلفائه لدرجة بددت مكانتها على رقعة الشطرنج العالمية.     * باحث في الشؤون الدولية.