أجيال لا تتكرر ورجال لا يعوضون إلا نادراً وهذا الرجل الجليل فضيلة الشيخ راشد بن خنين عليه رحمة الله أحد هؤلاء الرجال، وأيقونة من تلك الأجيال. قضى حياته مجاهداً بسبيل نشر تعاليم دينه بالكلمة الطيبة والخلق الكريم ونذر حياته لخدمة وطنه ما بين التعليم والعدل والمشورة. كان أنموذجاً للتواصل مع الناس حتى بعد كبر سنه لم يستطع أن يقطع التواصل معهم: زيارة لمرضى وعزاء براحلين، ومشاركة بأفراح غالين، كم مرة كان مرة يتوكأ على عصاه يمسك بيده أحد أحبابه ويسير وئيداً حتى يصل إلى غرفة مريض أو منزل عزاء. لقد شرفت بجواره وكان رحمه الله عجيباً بصبره وتحمله، لقد كان يأتي إلى المسجد يُهادى بين أحد أبنائه أو أحبابه حتى ينتظم بصف المسجد. عمل بكافة الجهات العدلية والقضائية من مجلس القضاء إلى وزارة العدل إلى هيئة كبار العلماء إلى التعليم والاستشارة إلى المشاركة في لجان الأنظمة. وكان في جميع مراحل حياته ومناصبه يحظى بالمحبة والتقدير لما أعطاه الله من خلق مشرق، وعلم غزير، وكان من صفاته أنه يتحدث بصوت خفيض تأدباً مع من يحادثه وكان له مكانة عند قيادة هذا الوطن، فالملك عبدالله حفظه الله يجلّه حتى عندما طلب الشيخ رحمه الله الاعتذار عن الاستمرار مستشاراً بالديوان الملكي طلب منه الملك عبدالله البقاء تقديراً لعلمه ومكانته. * * * أما في ميدان العمل القيادي التعليمي فقد كان له عطاء مشهود يذكر له، فقد تولى رئاسة تعليم البنات فنهض بها، وسعى إلى تطوير مدارسها ومناهجها وفق منهج الوطن القائم على سنة الله ونهج رسوله. ويذكر من عملوا معه بالرئاسة: كيف هي حنكته الإدارية، وحكمته التعاملية، ونظرته المستقبلية حتى استطاع خلال السنوات التي تولى فيها رئاسة تعليم البنات أن ينهض بها وبمستوى العمل التربوي فيها. * * * لقد جمع رحمه الله بين عمق العلم وجميل الأدب وأدب الحديث، وكان شاعراً مجيداً أصدر له أبناؤه ديواناً شعرياً حوى بعض قصائده التي عليها مسحة العالم ورونق أسلوب الأديب. ولولا انشغاله بالعلم وقناعته أنه لم يخلق للشعر لوجدنا له إبداعات أكثر وأجمل. وقد كانت له مساجلات شعرية وردت بديوانه وكان أروعها ما كان بينه وبين د. غازي القصيبي عليهما رحمة الله عند ما كان رئيساً لتعليم البنات والقصيبي وزيراً للكهرباء، حيث كان التيار الكهربائي ضعيفاً في بعض المدارس ومتأخراً عن الوصول لبعضها لإمكانات الشبكة ومحدودية الطاقة في بداية تولي القصيبي وزارة الصناعة والكهرباء فلجأ الشيخ راشد رحمه الله إلى الشعر مستعيناً به للتأثير على الوزير القصيبي وهو الشاعر المحلّق. وسأختم هذه المقالة الرثائية بقصيدتين الأولى للشيخ راشد بن خنين يشكو فيها تأخر وصول الكهرباء لبعض مدارس البنات، وقصيدة القصيبي التي يرد ويشرح أسباب الضعف والتأخير. وهذه أبيات مختارة من قصيدة الشيخ بن خنين وعنوانها: ((فمرهم عاجلاً)): تمام الحول قارب لم تجيبوا كلام الناس في هذا كثير فمرهم عاجلاً يأتوا بسلك وعهدي فيكم حزم وعزم ونرجو الله إصلاحاً سريعاً وختم القول تذكير وشكر ولم تُجْزُوا المماطل والمعاكس وأنت الشهم تنفي للوساوس يبرد أو يبدد للحنادس ودور العلم أولى من منافس لأجهزة الدوائر والمجالس لغازي الشعر والرجل الممارس وهذه أبيات مختارة من قصيدة د. غازي التي عنوانها ((رعاك الله يا شيخ المدارس)): رعاك الله يا شيخ المدارس وأما بعد رقعتكم أتتني وملءُ عتابكم ودّ وحبّ ويدري الله كم يدمي فؤادي وحر الصيف بالأبطال يودي وعذري -إن قبلت العذر- إني توسعت الرياض نمت فصارت ففي حي ((النسيم)) شكت ألوف وصانك للصغيرات العرائس تعاتبني فهاجت بي الهواجس يحيط به من الأشواق حارس عذابُ صبيةٍ والحرُّ عابس فما بال الرقيقات الأوانس؟ أمارس من بلائي ما أمارس ((كلندن)) في تشعبها و((بارس)) تنادي في الدجى والليل دامس وبعد: لعل أبناءه وبناته وأحفاده الكرام يتولون إصدار بقية آثاره العلمية والأدبية ليستمر نهر عطاء علمه جارياً بإذن الله. غفر الله للشيخ راشد بن خنين كفاه ما قدم لدينه ووطنه وجمعنا به وبصديقه د. غازي القصيبي بجنة المأوى.