أكد علماءُ الأزهرِ, وأعضاء هيئة كبار العلماء, أن الاعتداء على الكنائس بالحرق أو الهدم أو تفجيرها أو قتل من فيها حرامٌ شرعاً. وأن الشريعة الإسلامية أوجبت على المسلمين حماية الكنائس كحماية المساجد ودور العبادة الأخرى وطالبوا الجميع بالنظر إلى ما ورد في وثيقة الأزهر حول حرية العبادة والتي نصّت على وجوب الحرصِ التام على صيانة كرامة الأمة والحفاظ على عزتها الوطنية, وتأكيد الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الديانات السماوية الثلاث .وقد نهت الشريعة الإسلامية عن التعدي على دور العبادة لغير المسلمين , ودانت وأوجبت عقاب من يعتدي على دور العبادة من المساجد والكنائس, وتخريب الممتلكات العامة والخاصة واستخدام القوة المفرطة, وأن الصائل أو المعتدي يُدفع شره وعلى الجميع تغليب صوت الحكمة والعقل .والعمل الإجرامي الذي استهدف الكنائس في مصر أخيراً والاعتداء على دور العبادة سواء للمسلمين أو أهل الكتاب مرفوض دينياً وأخلاقياً لأن الاعتداء على أهل الكتاب حرام شرعاً , فالمسلم عليه أن يمد يد العون لأخيه المسيحي وفقا لتعاليم الإسلام كما أن حرق أماكن العبادة سواء كنائس أو ممتلكات عامة أو مساجد, لا يجوز شرعاً, ولا يجوز الاعتداء على أي إنسان طالما أنه لم يخرج على حد الشرع أو القانون , ولم يحدث في أي عصر من العصور الإسلامية الذهبية السابقة أن اعتدى المسلمون على كنائس أو مساجد سواء بالهدم أو الحرق لأن النصارى أهلُ عقدٍ وأمان وذمّة ، والخلاف السياسي والمذهبي بين أبناء الوطن الواحد ليس مسوغاً لإزهاق الأرواح, وهدم الممتلكات أو حرق دور العبادة وعلينا أن نحذر الفتنة والسقوط فيها, لأن مصر ليست من الأراضي الخصبة التي تستوعب الفتنة, ولكن بفضل الله تعالى تم وأد الفتنة قبل أن تولد, لأن الله تعالى حمى مصر وسيظل يحفظها دائماً من مثل هذا الانشقاق, وعلينا أن نكون مثل الجسد الواحد في البلد الواحد .إن الأساس في التعامل مع غير المسلمين هو البر والعدل, وحذرت شريعة الإسلام من ظلم غير المسلمين, وأوجبت احترامهم وبِرّهم والدفاع عنهم ضِد كل عدو , وتجنب كل ما يؤذيهم في أنفسهم وأهليهم وأماكن عبادتهم, فحق التدين أو حرية الاعتقاد من أهم الحقوق التي أمرت الشريعة بحفظها, فالإسلام يترك لغير المسلمين حرية ممارسة العبادة ويدعو للمحافظة على دور العبادة التي يمارسون فيها شعائرهم من كنائس وصوامع وبيع وصلوات ويُحرِّم الاعتداء على دور عبادتهم أو تخريبها أو هدمها أو حرقها ، والوثائق التاريخية في وصايا الخلفاء لقادة الجيوش الإسلامية هي الدليل الملموس على بقاء أماكن العبادات التاريخية القديمة لغير المسلمين في كل بلاد العالم الإسلامي , فالاعتداء على أماكن العبادات من الأمور التي حرمتها شريعة الإسلام الصحيحة .وحث الإسلام أتباعه على احترام دور العبادة أيا كان توجهه , أو دين المتعبد, وذلك لما جاءت به شريعة الإسلام ومبادؤه السمحة التي تدعو إلى احترام الغير ومعتقداته بغض النظر عما يراه المسلم صحيحاً فالكل سيعود يوما إلى الله, ويقول الله تعالى (ثم إليَّ مرجِعُكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) لذلك كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً واضحاً في احترام عقيدة الآخرين وتوقير ما هم عليه من الدين , فقد أقرّ الإسلامُ أحكاماً خاصةً لأهل الكتاب من يهود ونصارى,لا يصح للمسلم أن يتعداها, كإجازة زواج المسلم من كتابية, وأكل ذبائحهم وأطعمتهم وأشربتهم , وأن نودهم ما لم يقاتلونا في الدين ولم يظاهروا على إخراجنا من ديارنا, ومن ذلك أيضا أنه حرّم التهجم على معتقداتهم وهدم أو حرق كنائِسِهِم أو كُنُسِهِم . وقد أراد الله عز وجل هذا الاختلاف في قوله عز وجل (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) وقوله أيضاً (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكرِه النَّاس حتى يكونوا مؤمنين) ولهذا عندما تأسست الدولة الإسلامية في المدينة كان يسكنها اليهود ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم وثيقته الأولى التي بيّن فيها أن المسلم مع اليهودي أمة واحدة وهذا يبرز لنا أن الإسلام يحترم الاختلاف العقائدي, ويحترم الآخر, وأيضا يظهر من نصوص الوثيقة أن سكان المدينة جميعاً مسلمين وغير مسلمين يُعتبرون مواطنين تحت ظل المواطنة, ومن ناحية أخرى نرى الإسلام يبيح لغير المسلمين أن تكون لهم معابد أو دور عبادة يتعبدون فيها على دينهم, ولا يجوز المساس بها أو هدمها أو حرقها أو التعدي على أحد من غير المسلمين بحجة اختلاف العقيدة, لأن اختلاف العقيدة لا يخلع المواطنة عن غير المسلم الذي يقيم مع المسلمين في دار واحدة أو في بلاد واحدة, ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة, وذلك حين قال(من آذى ذمياً فقد آذاني) فهذه جريمة كبرى سواء كان على مسلم أو غير مسلم والله عز وجل أوجب القصاص على القاتل حتى يعرف كل قاتل أن مصيره معلق بجريمته, وقد بين الفقهاء أن من قتل غير مسلم يجب أن يقتص منه, فحرمة الدماء أوجبها الإسلام لكل إنسان وهذا هو الرأي الذي اعتمده كثيرٌ من الفقهاء .عبدالله الهدلق