يبدو أن العناد يحول الأمور التافهة إلى قضايا مصيرية تُشعل من أجلها أعتى الحروب النفسية.. لأنها مرتبطة بأعمق جذور الكبرياء.. مرتبطة بالإرادة.. وحين تُجرح الإرادة فإن ما بعدها يتلاشى.. وما حولها يضيع في غبار المعارك.. وتنشأ خلالها روابط لا يمكنها في الظروف العادية أن تتكون.. لأنها غير مرتبطة أصلاً.. ومتباعدة.. لكن حين يُمنع عنها الإنسان بالقوة فإنها تكون أشهى.. وأكبر.. وأكثر إغراءً.. كأن لها صوت النداء الذي يوقظ المقاومة.. والإصرار للوصول.. لمجرد الوصول.. وليس لأنه يريدها فعلاً أو يحتاجها. تذكر مثلاً أمراً كنت تستميت من أجل الحصول عليه.. وكيف كنت تختلق ألف حيلة لتحصل عليه.. وكيف كان الطريق إليه محفوف بالخطر واللذة معاً.. وكيف تحالف الخوف مع الشهية المشرعة والتي لا تعرف شبعاً أو اكتفاء.. وحين أصبح متاحاً وفي متناول يدك. . كيف فقد إغراءه.. ومتى اختفى وهجه! هل فعلاً وصلت لمرحلة التشبع منه.. أم أن مصدر المنع اختفى.. وفقد جبروته وقوته.. واكتشفت أنه بغياب المانع سقط من دائرة اهتمامك ما كنت تحلم به وتريد الوصول إليه. تحدي رغبات الإنسان تزيدها حدة.. وتغير مكانتها لتتحول إلى ضرورة.. رغم أنها لم تكن ضرورية.. لأنها تحولت إلى معركة الكبرياء.. وفي كل مرة يتم تحقيق الممنوع.. يكون الانتصار الفعلي هو تحقيق الإرادة.. وليس تحقيق الرغبة.. وأغبى موقف يمكن أن تتخذه في وجه من تحب أو تهتم لأمره.. أن تجعل نفسك حاجزاً بينه وبين رغباته.. وتفرض وصايتك. . ومع كل فرض وصاية تُنتهك الثقة في الظلام وحين تغفو عيونك.. وهنا تحديداً ينتحر الحب.. وتكون في حضرة حفلة تنكرية لا تعرف فيها من كنت تعرفهم. وبالمناسبة.. اتعرف متى يلبسون الأقنعة ويكذبون عليك؟ حين تقرر أن تكون وصياً.. حين يكون لك قائمة سوداء من الأحكام المسبقة على الآخرين.. حين تمارس حيلة الاستشراف وتلبس عباءة المثالية.. حين تتصنع دور الرقيب. . حين تعتبر تجاربك ورأيك منتهى الحكمة والعقل.. حين تعتبر المختلف عنك عدو محتمل. . حين يسبق سوء ظنك في الناس عدلك.. وكيف تكون عادلاً إن كانت أحكامك جاهزة.. قبل المحاكمة.. وقبل أن تعرف.. وقبل أن تعاشر.. وقبل أن تفهم. امنح الآخرين حرية القرار.. حرية الأفكار.. حرية التجربة.. حرية دفع الثمن.. حرية المعرفة.. حينها تأكد أنهم سيخلعون في حضرتك القناع تلو القناع.. ولا شيء يضاهي جمال الصدق.. لكن هل أنت مستعد لتقبل الوجه المتواري خلف القناع.. هل أنت مستعد لرؤية الحقيقة العارية؟