القاهرة: خالد محمود أكدت مصادر دبلوماسية عربية وأجنبية في العاصمة الليبية طرابلس، أن سفراء بعض الدول العربية والأجنبية غادروا بالفعل ليبيا أمس، عائدين إلى بلدانهم بالتزامن مع إقدام مجهولين على الاعتداء على مقر السفارة البرتغالية. في حين كشف مسؤول ليبي رفيع المستوى النقاب عن قرب استدعاء النيابة العامة الليبية لنوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) للتحقيق معه في واقعة مثيرة للجدل بشأن اعتقاله برفقة فتاتين بمقر إقامته بضاحية فشلوم بالعاصمة طرابلس قبل نحو شهرين. وأوضح المسؤول الذي طلب عدم تعريفه في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أن النيابة العامة في ليبيا أخضعت الفتاتين للتحقيق وأنه بات لديها ما وصفه بـ«أدلة قوية» على تورط أبو سهمين في «عمل غير أخلاقي»، مشيرا إلى أن أبو سهمين اختفى تماما عن الأنظار لمدة يومين، قبل أن يعلن أنه مريض ومصاب بجلطة تستوجب نقله للعلاج إلى الخارج. وبات المستقبل السياسي لأبو سهمين الذي يتولى عمليا منصب الرجل الأول في الدول الليبية والقائد الأعلى لقواتها المسلحة، في مهب الريح بعدما سربت كتيبة «ثوار طرابلس» فيديو مثيرا للجدل يظهر فيه أبو سهمين وهو يخضع لاستجواب وصف بأنه مهين ومذل على يد هيثم التاجوري أحد القادة السابقين بالكتيبة، عن مبرر وجود فتاتين معه بمقر إقامته ليلا. ونفى أبو سهمين أكثر من مرة تورطه في أي عمل غير أخلاقي، وأعلن تمسكه بمنصبه، بينما هدد 30 من أعضاء المؤتمر الوطني بمقاطعة بقية جلسات المؤتمر وطالبوا بعزل أبو سهمين، وقالوا إنه «بات رهينة في يد من يعرضونه للابتزاز». ولم يتسن لـ«الشرق الأوسط» الحصول على تعقيب من أبو سهمين، الذي أعلن المؤتمر الوطني في بيان مقتضب مؤخرا، أنه غادر فجأة إلى الخارج للخضوع لفحوصات طبية لمدة أسبوع، دون أن يكشف طبيعة هذه الفحوصات ولا الدولة التي سيقصدها. لكن المسؤول الليبي الذي تحدث مشترطا حجب هويته، قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط»: «نعتقد أنها مسرحية فاشلة.. هو يعلم أن النيابة لعامة ستطلب التحقيق معه.. إنه يحاول التنصل من تعهداته بالمثول أمام أي جهة قضائية». ولفت إلى أن أبو سهمين سبق له أن خضع في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي للعلاج إثر إصابته بجلطة على العين كادت أن تؤدي به إلى الاستقالة من منصبه، مشيرا إلى أن أبو سهمين رفض قبل توجهه الأسبوع الماضي إلى سويسرا، الخضوع لفحوصات طبية في ليبيا لأسباب مجهولة. وقال المسؤول الليبي إن أبو سهمين سيتغيب عن الجلسة التي سيعقدها أعضاء المؤتمر غدا (الأحد) للاستماع إلى برامج سبعة مرشحين تقدموا بأوراقهم لشغل منصب رئيس الحكومة الانتقالية الشاغر بعد الاعتذار المفاجئ لعبد الله الثني رئيس الوزراء المؤقت عن تشكيل الحكومة بسبب تعرضه لاعتداء من قبل مسلحين في طرابلس. وأوضح أنه يتعين على الفائز بالمنصب أن يحصل على تأييد 120 عضوا من بين الأعضاء الـ200 للمؤتمر، مشيرا إلى تقارب فرص جميع المرشحين الذين ينتمي معظمهم إلى المنطقة الشرقية وغير محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين باستثناء مرشح واحد فقط. وكان المؤتمر الوطني قد عزل علي زيدان رئيس الحكومة السابق، وعين مكانه الثني وزير الدفاع لمدة أسبوعين بشكل مؤقت، قبل أن يكلفه رسميا بتشكيل الحكومة التي سرعان ما أعلن اعتذاره عنها. في سياق آخر، قالت مصادر دبلوماسية عربية وأجنبية في العاصمة الليبية لـ«الشرق الأوسط»، إن «سفراء بعض الدول العربية والأجنبية غادروا بالفعل ليبيا أمس، عائدين إلى بلدانهم بالتزامن مع إقدام مجهولين على الاعتداء على مقر السفارة البرتغالية بطرابلس». وأوضحت المصادر أن سفراء إيطاليا والعراق والإمارات غادروا بالفعل الأراضي الليبية، فيما نقلت صحيفة «الوسط» الليبية عن مصدر دبلوماسي رفيع المستوى بالسفارة الأميركية في طرابلس، تعرض إحدى سيارات السفارة لعملية سطو مسلح. من جانبها، التزمت السلطات الليبية الصمت حيال هذه المعلومات، وقال مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يشك في إمكانية الرحيل المفاجئ لسفير العراق خشية اختطافه ومقايضته لاحقا بعشرات الليبيين المتطرفين القابعين في السجون العراقية؛ لكنه شكك في مغادرة السفير الإيطالي الذي قال إنه يحظى بحماية أمنية قوية»، على حد تعبيره. ونفى المجلس العسكري لمدينة صبراتة ما تردد عن وجود فواز العيطان السفير الأردني المخطوف من العاصمة قبل ثلاثة أيام بالمدينة. وقال المجلس في بيان مقتضب «بعد إجراء البحث والتحري بالتعاون مع الأجهزة الأمنية بالمنطقة تبين عدم صحة الادعاءات التي تناقلتها وسائل الإعلام». وبينما شكك الناطق باسم وزارة الخارجية الليبية في عملية اختطاف الدبلوماسي التونسي العروسي القنطاسي أول من أمس من العاصمة. وقال إنه «مختف فقط»، أعلن وزير الخارجية التونسي المنجي حمدي أن خاطفي الدبلوماسي وموظف آخر في السفارة التونسية في ليبيا يدعى محمد بن الشيخ، يطالبون بالإفراج عن ليبيين معتقلين بتهمة الإرهاب في تونس. وقال الحامدي إن الخاطفين هم جماعة على علاقة بمتشددين معتقلين في تونس بسبب هجمات على قوات الأمن وقعت قبل ثلاث سنوات ويطالبون بإطلاق سراحهم مقابل الإفراج عن الدبلوماسي. وأضاف الحامدي أن تونس تنظر في تقليص بعثتها الدبلوماسية في ليبيا بعد اختطاف دبلوماسيين اثنين خلال شهر، مضيفا: «سنحاول التفاعل مع الجهة الخاطفة لضمان حياة الدبلوماسيين وإطلاق سراحهم». وتابع: «كوننا خلية أزمة لدراسة الخطوات المقرر اتخاذها والتقيت بالقائم بالأعمال الليبي في تونس الذي وعدني ببذل قصارى الجهد لإطلاق سراح الدبلوماسيين التونسيين». لكن وزارة الخارجية الليبية قالت في المقابل، إن كل المعلومات المتوفرة حول الدبلوماسي التونسي تشير إلى اختفائه، ولم يتضح بعد أنها عملية اختطاف، حيث قال سعيد الأسود الناطق باسمها إنه ليس هناك ما يؤكد اختطاف الدبلوماسي التونسي بطرابلس، وإن المعلومات حتى الآن تشير إلى اختفائه. وأعلن الأسود أن القنطاسي لم يذهب اليوم لمقر عمله في السفارة، مضيفا: «وعند التحري في مكان إقامته تبين أن منزله لم يتعرض لأي اعتداء، وأن سيارته لم يعبث بها، وبالتالي نفترض أن القنطاسي بسلام، ونأمل أن يكون هكذا». وفي وقت سابق دعت وزارة الخارجية التونسيين إلى تأجيل سفرهم إلى ليبيا ودعت المقيمين هناك إلى الحذر، علما بأن عشرات الآلاف من التونسيين يعملون في ليبيا بينما يعيش نحو مليون ليبي في تونس. وتعكس عمليات الخطف الشائعة في ليبيا والتي غالبا ما تستهدف مسؤولين أجانب حسب مراقبين، عدم قدرة الحكومة المؤقتة على نزع سلاح معارضين سابقين وإسلاميين متشددين شاركوا عام 2011 في إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي وشكلوا ميليشيات مسلحة يتزايد نفوذها. من جهته، اعتبر عبد الله الثني رئيس الحكومة المؤقتة، أن الأمن هو الهاجس الكبير للدولة الليبية ولا يمكن تنفيذ أي برامج إنمائية في غياب الأمن، ودعا لدى لقائه أول من أمس بمديري مديريات الأمن ورؤساء الأجهزة الأمنية المختلفة بحضور صالح البرعصي ووزير الداخلية المكلف، إلى ضبط المنافذ البرية والبحرية والجوية لضمان عدم حدوث اختراقات أمنية عن طريقها.