الدمام - فايز المزروعي: أكد مركز متخصص في السياسات النفطية والتوقعات الإستراتيجية أن المملكة بدأت فعليا باتخاذ خطوات لاحتواء نمو الطلب المحلي على الطاقة، وزيادة المصادر البديلة للطاقة، وتركز هذه التدابير على جانب الطلب في الأساس على زيادة كفاءة الطاقة من تحسين المعايير المنظمة للبناء واستخدام الأجهزة الكهربائية. جاء ذلك في تقرير حديث، أصدره مركز السياسات النفطية والتوقعات الإستراتيجية، وخص به «الجزيرة» حول توصيات صندوق النقد الدولي بخصوص أسعار الوقود في المملكة، تحت عنوان «قراءة في توصيات صندوق النقد الدولي بخصوص أسعار الوقود في المملكة.. الإيجابيات والسلبيات» وقال التقرير»بشكل عام اكتسبت توجهات صندوق النقد الدولي سمعة خاطئة في العالم، لكون توصياته تنبع من فلسفة اقتصادية رأسمالية فنية صرفة لا تأخذ في العادة الجوانب الاجتماعية والحساسيات السياسية والدينية، والتي بالطبع لا تتفق مع عامة الشعوب التي تختلف فلسفتها عن نظيراتها الرأسمالية، ومن تلك الشعوب على وجه التحديد النامية والمسيسة بطبيعتها، فالهدف الأساسي من إنشاء الصندوق بعد الحرب العالمية الثانية ولا يزال بالإضافة إلى كونه المؤسسة المركزية في النظام النقدي الدولي - أي نظام المدفوعات الدولية وأسعار صرف العملات الذي يسمح بإجراء المعاملات التجارية بين البلدان المختلفة، الهدف الأساسي منه هو تعزيز سلامة واستقرار الاقتصاد العالمي، و تحقيق النمو الاقتصادي، والسعي دون الانعكاس إلى هوة الانغلاق والحماية، ومنع وقوع الأزمات في النظام الاقتصادي عن طريق تشجيع البلدان المختلفة على اعتماد سياسات اقتصادية سليمة، من خلال التقارير والتوصيات العلمية المحكمة، أو حتى الدعم المالي الذي يستفيد من موارده الأعضاء الذين يحتاجون إلى التمويل المؤقت لمعالجة ما يتعرضون له من مشكلات في ميزان المدفوعات، وتيسير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية، من خلال مراقبته للتطورات والسياسات الاقتصادية والمالية في البلدان الأعضاء وعلى المستوى العالمي، وإشرافه على السياسات الاقتصادية للبلدان الأعضاء بأداء الاقتصاد ككل - وهو ما يشار إليه في الغالب بأداء الاقتصاد الكلي، ويشمل هذا الأداء الإنفاق الكلي وعناصره الأساسية مثل الإنفاق الاستهلاكي واستثمارات الأعمال، والناتج وتوظيف العمالة والتضخم، وكذلك ميزان المدفوعات في البلد العضو، أي ميزان معاملاته مع بقية العالم،. ومن ثم تقديم المشورة بشأن السياسات لأعضائه استناداً إلى الخبرات الجليلة التي اكتسبها منذ تأسيسه، وتأسيساً على ذلك فالتقارير القُطرية الدورية للدول مهمة جداً، وذلك لتحديد أو تصحيح المسار الذي تنتهجه للدول الأعضاء، لكونها تحمل في طياتها خبرات جمة واستشرافا علميا اقتصاديا منطقيا للمستقبل». وفي حديث لرئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الإستراتيجية، الدكتور راشد أبانمي، أشار إلى أن التقرير الأخير الصادر عن الصندوق لشهر تموز (يوليو) الماضي، هو من ضمن مشاورات المادة الرابعة لعام 2013م مع المسؤولين في السعودية، حول مختلف التطورات والسياسات الاقتصادية، حيث تص المادة الرابعة من تأسيس صندوق النقد الدولي على إجراء مناقشات ثنائية مع الدول الأعضاء، تتم في العادة على أساس سنوي، حيث يقوم فريق من خبراء الصندوق بزيارة الدولة العضو، وجمع المعلومات الاقتصادية والمالية اللازمة، وإجراء مناقشات مع المسؤولين حول التطورات والسياسات الاقتصادية في هذه الدولة، حيث شخص صندوق النقد الدولي الآفاق الاقتصادية للسعودية بشكل عام ووصفها بالإيجابية في الأجل القريب، إذ يُتوقع أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الكلي 4 بالمئة خلال عام 2013، و4.4 بالمئة عام 2014، كما شمل التقرير التحديات التي يواجهها الاقتصاد السعودي والسياسات اللازمة لمواجهة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والضغوط الديموغرافية، وارتفاع معدل البطالة والإسكان وتزايد استهلاك الطاقة بشكل متعاظم، والحاجة إلى الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي مع تعزيز النمو غير النفطي، بالإضافة إلى إدارة الطلب على الموارد الطبيعية والحاجة الملحة إلى ترشيد الاستهلاك المحلي للطاقة. وأوضح الدكتور أبانمي، أن الآفاق تشير إلى استمرار الاستهلاك المحلي للطاقة في الارتفاع، وعلى نحو حاد، وهذا ما أكده كذلك صندوق النقد الدولي، حيث إن المملكة من أعلى البلدان على مستوى العالم من حيث مستوى استهلاك الفرد للطاقة، وذلك لانخفاض أسعار الطاقة محلياً، كما أن الدعم الحكومي للطاقة حفز على الاستثمار في الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، وتصاعد وتيرة الاستهلاك المحلي للطاقة، والبالغ (16 بالمئة حاليا)، وفقا للتقرير، وإذا ما استمر نمو الاستهلاك المحلي بالمعدلات الحالية، فسيتجاوز 20 بالمئة من الناتج في عام 2018م. وقال أبانمي «الدور المتعاظم للمملكة في نمو الاقتصاد العالمي، واعتماد العالم على صادرات النفط السعودي المتعاظم يؤثر بشكل مباشر باستمرار الاعتماد الاقتصاد السعودي على العائدات المالية النفطية من خلال الانفاق الحكومي الذي يعتبر المحرك الرئيس للاقتصاد، وبالتالي بتطورات أسواق النفط العالمية، أي أن النفط سيظل المصدر الرئيس للدخل وللمخاطر أيضا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن موضوع استهلاك المملكة المتزايد من المنتجات البترولية محلياً وبنسب عالية تفوق المعدلات العالمية، لاشك بأنها ستؤثر على كمية النفط المصدر للعالم، وبالتالي يؤثر على ضمان الاستقرار العالمي، وكذلك انخفاض الموارد المالية للمملكة والذي سيؤثر سلباً في الإنفاق الحكومي، أي أن الاقتصاد السعودي يدور في حلقات متشابكة مركزها البترول بعائداته المالية العالمية، أو بانخفاضها من جراء استهلاك النفط محلياً». وأضاف: «نظراً للاستهلاك المفرط في الطاقة وخطورته على الاقتصاد السعودي وإلى حد ما على نمو الاقتصاد العالمي، فلقد قرع خبراء الصندوق الأجراس وأوصى التقرير بالبدء في وضع خطط لزيادة الأسعار المحلية للطاقة تدريجياً، حيث إن ذلك من وجهة نظر الخبراء العالميين سيساعد في الحد من النمو السريع في إالاستهلاك المحلي، وتقليص الحوافز في نموذج النمو الحالي التي تشجع الصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة، وتعزيز وضع المالية العامة، نظراً لأن أسعار الطاقة المنخفضة ينتفع بها السكان الأغنياء والأفضل حالا، وفي نفس الوقت فزيادة أسعار الطاقة سيكون لها تأثير سلبي في شريحة الفقراء والفئات الضعيفة، وعليه فسيتعين اتخاذ التدابير التعويضية اللازمة لتلك الفئات، أما الصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة فإنها بالتأكيد تحتاج إلى وقت لتعديل هيكل الإنتاج والتكلفة، لتظل قادرة على المنافسة، فالتجارب الدولية في مجال إصلاح أسعار الطاقة تحتم وضع خطة محكمة لتعديل السياسات، وتنفيذها تدريجيا، وتعريف المواطنين والشركات بها، وشرحها لهم بوضوح». وأشار أبانمي إلى أن المملكة قد بدأت بالفعل باتخاذ خطوات لاحتواء نمو الطلب المحلي على الطاقة وزيادة المصادر البديلة للطاقة، إذ تركز هذه التدابيرعلى جانب الطلب في الأساس على زيادة كفاءة الطاقة من تحسين المعايير المنظمة للبناء واستخدام الأجهزة الكهربائية، أما من ناحية العرض، فالمملكة تسعى حاليا لتنويع مصادر الطاقة عبر مواصلة تطوير إنتاالغاز والاستثمار في الطاقة الشمسية لتلبية الاحتياجات المحلية، ووفقا لخطة المملكة في الأجل المتوسط، تبين المملكة موافقتها على أن اعتبار زيادة أسعار الطاقة خيارا لاحقا بعد بحث خيارات تطوير وسائل النقل العام، وهذا بالفعل ما أكدته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مؤخرا حول أن رفع أسعار الوقود قد يكون ضمن تلك الحلول التي تساهم في اتجاه شرائح كبيرة من سكان العاصمة، وتحفزهم لاستبدال التنقل بالمترو والحافلات، عوضا عن التنقل بالمركبات، ولاسيما أنه سيحقق الأهداف الإستراتيجية للنقل العام في تقليل هدر الوقود والمحافظة على البيئة.