إذا كنت محظوظاً كفاية بأن تحقق حلمك وتصبح طاهياً يملك مطعمه الخاص، تمارس فيه شغفك في إعداد وتقديم الطعام، ففوزك بنجمة ميشلان هو حتماً تتويج لهذا الشغف، الفن والجودة؛ إذ يمنح هذا التقدير الفرنسي -غالباً- للمطاعم الفاخرة ذات الأطباق الشهية، والمواقع المميزة، والزوار الذواقين. لكن هل يمكن أن تصدق أن مطعماً يقبع في إحدى محطات مترو الأنفاق في طوكيو، لا يتجاوز عدد كراسيه العشرة، له باب خشبي مجرور تدخل عبره إلى عالم الشيف الأكثر شهرة في عالم السوشي جيرو ذي التسعين عاماً، فاز بثلاثة نجوم ميشلان نظير الجودة والإبداع والإتقان المتناهي في إعداد وتقديم الطبق الياباني الأشهر. قصة جيرو الطاهي الياباني العتيد أشبه بالخيال، فقد ولد في عائلة تعاني من فقر مدقع، فبدأ بالعمل في إحدى المطاعم المحلية في مدينته الواقعة غرب شيزوكو في عمر السبع سنوات ثم انتقل في شبابه للعمل كمتدرب في إعداد السوشي في طوكيو، وبعد ما يقارب العشرين عاماً في هذا المجال، أصبح أخيراً طاهياً معتمداً، فقرر أن يفتح مطعمه الخاص في محطة مترو جينزا في طوكيو. بعيداً عن أعين الناس وأقلام النقاد وعدسات الصحفيين، كان جيرو يؤسس مدرسته الخاصة في الإتقان الياباني، وعالمه المطرز بتفاصيل الاحترافية والجودة، إذ تعود بائعو السمك أن يطل جيرو يومياً في الصباح الباكر ليشتري مؤونة اليوم من السمك الطازج، ويدرب العاملين لديه على حرفة الإتقان وملكة الصبر في تقطيع السمك أو نثر الأرز، إذ تستغرق مدة تدريب المساعدين لتقطيع سمكة مثل التونة أربعة سنوات، وأما إتقان كعكة البيض فقد تصل إلى سبع سنوات.. أما الأرز الذي يعمل كشريك أساسي لقطعة السمك في حبة السوشي فيحرص أن يقدم بدرجة مطابقة لحرارة جسم الإنسان؛ أي ما يقارب 37 درجة مئوية؛ حتى لا يختل توازن العنصرين أو يطغى أحدهما على طعم الآخر. جربة الأكل في حضرة جيرو تعد تجربة لا تنسى لكنها صعبة المنال، إذ قد تصل مدة الحجز إلى 4 شهور تسبق موعد الوجبة، علماً بأن الشخص المتصل يجب أن يتحدث اليابانية بطلاقة ليكمل إعدادات الحجز. في موقع مطعم جيرو على الإنترنت سيتم إرشادك إلى كيفية أكل كل نوع من أنواع السوشي بالطريقة اليابانية الأصلية، وحين يحالفك الحظ أنت والتسعة أشخاص بجانبك وتصبح في حضرة جيرو سيمنحك اهتمامه الكامل في تقديم العشرين صنفاً من السوشي التي يتم إعدادها بناءً على جنسك وحجمك. استضاف مطعم جيرو العديد من نجوم السينما ووجهاء المجتمع الياباني، بالإضافة إلى رؤساء دول مثل الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي زاره أثناء تواجده في طوكيو برفقة رئيس الوزراء الياباني، وقال أثناء الزيارة «لقد ولدت في هاواي وتذوقت الكثير من السوشي، لكن هذا كان الأفضل في حياتي». قريباً نتحدث عن الدروس التي يمكن أن نستخلصها من قصة جيرو وشغفه في إعداد السوشي، فهناك الكثير من الكنوز والعبر التي تتجلى في تجربته المذهلة وقصته الطويلة مع الاحترافية والإتقان وفن الصبر.