×
محافظة المنطقة الشرقية

شهادات ناجون من تفجيى كنسيتى طنطا والإسكندرية

صورة الخبر

القاهرة: «الخليج» تكمن أهمية الأخوين سيف وأدهم وانلي في أن تجربتهما تتجاوز مقولة أنهما يمثلان الانفتاح البكر على فنون الحداثة الأوروبية بمدارسها المثيرة للجدل، والملهمة لحركات فنية جديدة على مستوى العالم، منذ أوائل القرن العشرين، مثل التكعيبية والتجريدية والوحشية والدادية والسيريالية والمستقبلية، عبر إطلالهما عليها من شاطئ الإسكندرية نحو الشاطئ الآخر للبحر المتوسط، إلى أن يكونا بمثابة عاصفة فنية، هبت على حالة الجمود الأكاديمي للفن المصري في أواسط الثلاثينيات من القرن الماضي، وفتحت النوافذ لدخول حبوب اللقاح من حدائق الفن الحديث في الغرب، لتنبت أزهاراً جديدة تسعى لتجاوز تلك الحالة من الجمود التي كرسها أبناء الجيل الثاني من الحركة الفنية، بتبعيتهم المطلقة- موضوعياً وأسلوبياً- لجيل الرواد الأوائل، وعلى رأسهم مختار وناجي وسعيد وكامل وعياد وصبري ومحمد حسن، بعد أن قالوا كلمتهم الأخيرة، وأنجزوا مشروعهم التاريخي على خير وجه، بوضع الأساس لمدرسة مصرية حديثة، بمفهوم يزاوج بين الخصوصية المحلية وبين لغة التطور العالمي للفن، حتى نهايات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.يسعى صفوت قاسم في كتابه «الأخوان سيف وانلي وأدهم وانلي» إلى سبر أغوار هذه التجربة الريادية للأخوين وانلي وتحليل عناصرها الإبداعية والإنسانية، عبر سياقها المجتمعي والتاريخي والجمالي، بعيداً عن التقعر التخصصي والاغتراب اللغوي، معطياً أهمية خاصة للهجة المصرية «البصرية» التي استطاع الفنانان بها استلهام رؤى المدارس الأوروبية الحديثة، فباتت إنجازاتهما حميمة الصلة بالواقع المصري، بقدر ارتباطها بملامح الحضارة الغربية، حتى بلغا بعداً إنسانياً مفتوحاً، عابراً للقارات والثقافات، وكانا بذلك عاملاً مهماً في دفع اتجاهات الحداثة الفنية بمصر. ويوضح عز الدين نجيب في تقديمه للكتاب أن المؤلف أشار إشارة عابرة إلى أن أدهم وسيف وانلي مهدا لظهور جماعة الفن والحرية، فإنه رغم ذلك لم يهتم بعقد رابطة أو مقارنة بين تجربة الأخوين وانلي وبين تجربة الفن والحرية بقيادة رمسيس يونان وكامل التلمساني وفؤاد كامل، التي جاءت تالية بعد قليل من تجربتهما، ومتزامنة معهما بعد ذلك، مع أنها كانت بمثابة حجر كبير ألقي في البحيرة الراكدة للفن والأدب في مصر آنذاك، وأن فرسانها كانوا أكثر احتكاكاً بمنابع الثقافة والحداثة بأوروبا عن طريق الاتصال المباشر برواد إحدى المدارس الصاعدة وهي السيريالية إلى حد اعتناقها والتماهي معها ومع قادتها في باريس. كانت حوافز الإبداع لدى الأخوين وانلي تكمن في التجريب في لغة الشكل والبناء الفني من خلال الرؤية البصرية للواقع، لا الرؤية الباطنية للإنسان، دون الوقوع في محاكاة لذلك الواقع، بل العمل على تشريحه تشكيلياً حتى الوصول به إلى المحاكاة المدهشة لعالم جديد يتوازى مع الواقع الخارجي ولا يضاهيه، وصولاً إلى أن يكون الفن قيمة جمالية لذاتها، بحس فنتازي يحلق بأجنحة الخيال، متأثرين في ذلك بعشقهما للموسيقى والباليه والأوبرا، والفنون الاستعراضية، وحرصهما على مشاهدة العروض الأجنبية التي كانت تأتي إلى الإسكندرية بصفة مستمرة والتعبير تشكيلياً عن تأثرهما بها، فوق ما أتيح لهما من علاقات مع كبار الفنانين والمثقفين الأوروبيين الذين كانوا يعيشون بالإسكندرية أو يزورونها، ما أكسبهما ثقافة عصرية وذوقاً فنياً رفيعاً، وشجعهما على متابعة ما يجد من فنون الحداثة عبر ما يصل إلى مكتبات الإسكندرية من مطبوعات فنية، كل ذلك على خلفية، من ثقافة شعبية انتميا إليها وتفاعلا معها بعيداً عن أي معتقدات إيديولوجية أو توجهات سياسية، وإن امتلكا حساً وطنياً ملحوظاً، بدا بوجه خاص في أعمالهما عن بيوت النوبة واحتفالات أبنائها لدى بناء السد العالي، وعن مظاهر الحياة الشعبية في شوارع الإسكندرية ومقاهيها ومينائها وكورنيشها وحفلات السيرك والمغنين وعازفي الشوارع وحياة الغجر والمهرجين.يشير المؤلف إلى أن الأخوين وانلي مثلهما مثل أغلب رموز جيل النهضة المصرية، لم يكن انتماؤهما محل مساومة، مهما عظمت الإغراءات، ومهما بلغت قسوة الظروف، لقد مرت بسيف وأدهم وانلي ظروف مالية واجتماعية عصيبة، ذاقا خلالها الحرمان والتشرد، وقد كان بوسعهما، بعد أن صادقا العديد من الشخصيات الدولية المرموقة التي تزور الإسكندرية مع الفرق الأجنبية، وبعد أن سافرا إلى كثير من دول أوروبا، وأصبح فنهما مطلوباً فيها، كان بوسعهما أن يتركا مصر إلى عاصمة أوروبية، ليحققا نجاحاً عالمياً، لكنهما رفضا كل الفرص والعروض التي قدمت إليهما وفضلا العيش بالإسكندرية. ويقول: «أجدني أميل إلى تقسيم أعمال الأخوين وانلي إلى محاور فنية، بدلاً من التتابع الزمني لتواريخ إبداع اللوحات فبعد أن أنتهي من قراءة الأعمال التي تتعلق بصورة المرأة - على سبيل المثال - أنتقل إلى دراسة كيفية معالجة مناظر الشاطئ والميناء، ومنها إلى محور راقصات البالية والأوبرا، ثم السيرك ومصارعة الثيران وهكذا بحيث يكون الموضوع هو وحده الدراسة والرابط بين أعمال كل محور».