قد تبدو إجابة هذا السؤال بديهية بالنسبة لي، ولكن لأن الأزهر ليس له أبواق إعلامية تسمح له بعرض وجهة نظره كاملة في القضايا المتداخل فيها، في الوقت الذي تُفرد فيه مساحات واسعة بوسائل الإعلام كافة لمهاجمي مؤسسة الأزهر الشريف حتى غدا المرء يشعر من التغطية الإعلامية للأزهر وكأنه سبب كل شيء سلبي في مصر! فيبدو أن البعض لم يعد مدركاً مدى أهمية هذا الاستقلال ووجه الاستفادة العائد منه على الدولة المصرية وسياستها الداخلية قبل الخارجية. وفي الآونة الأخيرة، أخذ الهجوم على الأزهر منحىً أكثر خطورة، وهو مطالبة أحد أعضاء مجلس النواب بتعديل قانون الأزهر، تبعته دعوة بتقليص صلاحيات شيخ الأزهر وتقييد مدة توليه إمامة الأزهر الشريف. وهنا، علينا أن نتوقف قليلاً لنسأل أنفسنا: مَن حقاً يضر بالأمن القومي للبلاد؟ أهو الأزهر واستقلاله الذي حصده بعد 25 يناير/كانون الثاني والتحولات السياسية التي شهدتها البلاد أم دعاة إنهاء هذا الاستقلال؟ الواقع، إن معارضي استقلال الأزهر اليوم كانوا من أشد مؤيديه وقت فترة النشاط السياسي والحزبي لجماعات الإسلام السياسي، وقتها وقف الأزهر ضد محاولات السيطرة عليه بشكل لا يستطيع معه منصف ولا جاحد أن ينكره. ومع التغيرات السياسية وما أُثير من خلاف بين مؤسستي الرئاسة والأزهر الشريف -وهو أمر أنكرته المؤسستان بالمناسبة- حاول البعض التقرب من مؤسسة الرئاسة بالهجوم على من يرونهم في خلاف مع السلطة السياسية، وارتفعت أصواتهم وانتشروا في وسائل الإعلام حتى وصل الأمر لمطالبة النائب محمد أبو حامد بتعديل قانون الأزهر الذي أعاد للأزهر جزءاً كبيراً من استقلاليته المسلوبة. وهنا، علينا أن نتساءل: ما الجدوى من استقلال الأزهر؟ مؤسسة الأزهر، هي المؤسسة الإسلامية الوحيدة التي تحظى باحترام القيادات الإسلامية كافة وغير الإسلامية في العالم، يحترمها المسلمون من الطوائف والمذاهب كافة، هي أكثر من قوة ناعمة لمصر، ومن زار الدول الإفريقية أو جنوب شرقي آسيا سيكون من اليسير عليه أن يعرف كيف أثّر الأزهر في تلك البلدان. ولا يتسع المجال هنا لسرد جهود فضيلة الإمام شيخ الأزهر الشريف في نشر رسالة الأزهر الوسطية بالقارة الأوروبية بعد جولاته الخارجية الأخيرة وتأثيراتها واسعة النطاق والتي أعطت المؤسسة وشيخها احتراماً فوق احترام وتقديراً وعرفاناً بدور الأزهر. ولعل من يتابع المناشدات من الدول الأوروبية باستبدال الأئمة من جنسيات مختلفة في مساجدها بآخرين من خريجي الأزهر الشريف يدرك جزءاً من حقيقة تأثير الأزهر واسع النطاق. والسؤال هنا: كيف يمكن أن نضمن استمرارية تلك المكانة للأزهر الشريف إن كان غير مستقل في بلده وخاضعاً لسلطة سياسية أياً كانت؟ إن الداعين لتعديل قانون الأزهر، في الحقيقة لديهم رؤية قاصرة، ربما يكون الآن لدينا رئيس لا يُطعن في وطنيته ونزاهته، ولكن هل تستطيع -سيادة النائب- أن تضمن لنا وطنية ونزاهة كل الرؤساء القادمين؟ هل وقتها ستستطيع أن تعيد إلى الأزهر استقلاله حتى لا يقع تحت سيطرة فصيل سياسي لا تحبه ولا تتفق معه؟ هل هذه هي دولة المؤسسات التي نسعى إليها وننشدها والتي تضمن استمرارية عمل المؤسسات بأجندة وطنية وسياسات عامة ثابتة لا تتغير بتغير أشخاص؟ إن استقلال الأزهر خط أحمر، وهي قضية أمن قومي لمصر، وعلى مؤسسات الدولة والحريصين على أمن البلاد أن يدركوا أن العبث بالدستور والقانون من أجل رؤية قاصرة مبنية على افتراضات خاطئة -لا يتسع المجال هنا لشرحها- سيفتح الباب واسعاً أمام فوضى تشريعية قد تهدم كل مكتسبات التحولات السياسية في مصر منذ عام 2011، وهي التي دفعنا جميعاً -كمصريين- ثمناً باهظاً من أجلها، ولسنا على استعداد للتفريط فيها والتفريط في أمن البلاد واستقرارها بهذه السهولة. استقلال مؤسسة الأزهر ودعم هذا الاستقلال، أمر ستستفيد منه الدولة المصرية في المجمل أكثر من استفادة مؤسسة الأزهر الشريف. أرجو أن يدرك المهاجمون للأزهر هذا الأمر، وأن يجعلوا من نقدهم وسيلة للإصلاح وليس الهدم، وألا ينظروا تحت أقدامهم، ويدركوا أن الأشخاص زائلون والوطن باقٍ. فالأزهر دائماً بابه مفتوح للجميع، ولعل لقاءات المثقفين مع فضيلة الإمام الأكبر وجلسات الحوار التي عُقدت بمشيخة الأزهر كانت خير شاهد على انفتاح الأزهر واستعداده للحوار مع جميع الآراء والتوجهات دون تجريح أو اتهامات أو محاولات هدم لإحدى أهم مؤسسات الدولة المصرية، سواء حسنت النية بالرغبة في الإصلاح الحقيقي، أو ساءت بمحاولة التقرب لمؤسسة على حساب انتقاد أخرى. استفيقوا يرحمكم الله... ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.