×
محافظة المنطقة الشرقية

كهربا والقرني : الحظ غاب عنا أمام النصر .. وليد والغامدي : المباراة كانت صعبة والتعادل غير مرضٍ لنا

صورة الخبر

السياسة تتدخل حتى في نظامنا الغذائييعتبر الغذاء من المتطلبات الأساسية لاستمرار حياة الإنسان ونموه. ومنذ بداية القرن العشرين وبفضل الأبحاث العلمية المستمرة استطاع الباحثون تطوير مفهوم التغذية ليصبح أحد العلوم الأساسية. وأثبتت الدراسات العلمية أن الطعام الذي نأكله له دلالات مؤثرة على الصحة، ومازال علم التغذية يكافح ليأخذ مكانه بين التخصصات الطبية الأخرى للحصول على أفضل دعم وتمويل لأبحاثه، لكن تقريرا لمركز ستراتفور يكشف أن ارتباط هذا العلم بالمصالح الاقتصادية والسياسية للدول والشركات الكبرى وتأثيراته عليها يعيقان تقدمه.العرب لوك دي كايزر [نُشر في 2017/04/07، العدد: 10595، ص(12)]أنت ما تأكله واشنطن – بعد انتهاء الحرب الكورية عام 1953 ذهل الأطباء الوافدون من جميع أنحاء العالم من نتائج عمليات التشريح التي أجريت على الجنود الأميركيين الذين سقطوا أثناء الحرب. اكتشف الأطباء أن قلوب الجنود الشباب كانت ممتلئة برواسب الدهون، كما كان الحال مع المرضى المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية ممن هم في منتصف العمر بسبب وجود اللويحات التي منعت تدفق الدم. نتيجة لذلك، كشف العلماء الغبار عن نظرية تم طرحها منذ عقود من قبل عالم روسي أجرى تجربته على الأرانب واستنتج أن مرض الكوليسترول كان السبب الرئيسي في تلف الأوعية الدموية. ومن هنا ظهر مرض الكوليسترول في الدم، وحتى يومنا هذا يوصي الأطباء تلك الأعداد المتزايدة من المرضى باستعمال الأدوية لمحاربته. وتقدم تلك الحالة، مثل الحالات التي سبقتها والحالات التي تبعتها، دليلا واضحا على فشل الحكومات المتكرر في تقديم الإرشادات الغذائية السليمة لشعوبها والحصول على النتائج المتوقعة لتطبيق تلك الإرشادات. ففي عام 1953 قام آنسل كيز الطبيب والبيولوجي الأميركي بنشر دراسة عنونها “دراسة السبع دول” التي تستهلك الدهون في غذائها وربطها بنسبة حدوث أمراض القلب، إلا أن المسؤولين لم يظهروا أي ردة فعل تجاه تلك الدراسة. وتعتبر أمراض القلب والأوعية الدموية من أهم مسببات الوفاة في العالم، وتحدث أغلبها في دول العالم منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل. وإن كنا قد حققنا بالفعل تقدما كبيرا في مجالات أخرى مثل محاربة التدخين، فماذا نحن فاعلون في ما يخص العادات الغذائية غير الصحية والمشاكل الصحية التي قد تنجم عنها؟شركات السكر كانت تدفع لبعض الباحثين لتوجيه المراجعات العلمية في مجال البحوث الغذائية في صالحها أساس متزعزع يكافح مجال التغذية ليأخذ مكانه بين كافة التخصصات الطبية الأخرى للحصول على أفضل دعم وتمويل لأبحاثه على الرغم من أهميته البالغة بالنسبة للصحة الدولية. ويفسر عدم تحقيقه للنجاح الكافي وجود العقبات المنهجية المتكررة. ترجع صعوبة إجراء الأبحاث في مجال التغذية إلى التكاليف المادية واللوجيستية المرتبطة بتوفير مواد الدراسة من الطعام والمواد الغذائية طوال فترة البحث والدراسة. علاوة على ذلك، تظهر معظم الأضرار الصحية الناجمة عن اتباع أنظمة غذائية غير صحية فقط على المدى البعيد وقد تستغرق سنوات عدة، مما يساهم أيضا في عرقلة نجاح الدراسات البحثية لهذا المجال؛ كما تدخل شركات الزراعة والأطعمة على الخط نظرا لتاثيرات هذه الدراسات عليها، والتي قد تكون بعض نتائجها سببا في خسارتها. الهرم الغذائي الصحي يواجه صناع القرار صعوبة شديدة في ترجمة نتائج الأبحاث وصياغتها في صورة مجموعة من الإرشادات الموثقة حتى يسهل على الجمهور فهمها والتعامل معها. وبعد الدور البارز الذي اتخذه المجلس الوطني السويدي للصحة والرعاية الاجتماعية، نشرت وزارة الزراعة الأميركية دليل الهرم الغذائي عام 1992. أظهر الرسم البياني مدى أهمية ست مجموعات غذائية تدرّجت حسب اختلاف أقسامها. تشمل أكبر طبقة وهي قاعدة المثلث: الخبز والحبوب والأرز والمعكرونة. وتشتمل ثاني أكبر طبقة على الخضروات والفواكه، والطبقة الأخرى على منتجات الألبان مثل الحليب واللبن والجبن وكذلك البروتينات مثل اللحوم والدواجن والأسماك والفاصوليا المجففة والبيض والمكسرات، أما أصغر طبقة، وهي العليا، فتشتمل على الدهون والزيوت والحلويات. وتدخّلت المصالح الشخصية بالطبع في تصميم ذلك الهرم، فبدلا من أن تسند مهمة إنشاء الهرم لإدارة الغذاء والدواء الأميركية، والتي تعنى بالدرجة الأولى بفحص سلامة الغذاء والدواء، قامت الجهة المسؤولة عن الإشراف على القطاع الزراعي بهذه المهمة. نتج عن ذلك أن غيّرت وزارة الزراعة الأميركية الكثير في ترتيب مستويات الهرم، وبدلا من الأخذ في الاعتبار المقترحات التي وضعت من قبل خبراء التغذية، عملت الوزارة على تغيير بناء الهرم بالشكل الذي يتوافق ومعدلات الدعم التي اعتمدتها واشنطن لمنتجي المواد الغذائية المختلفة. وكان لتلك المحاولات انعكاس واضح على الجهود المتواصلة التي كانت تبذلها منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة للمحافظة على تطبيق نتائج الأبحاث للحد من مرض السمنة والأمراض المزمنة ومشاكل الأسنان في العالم بأسره. ولكن الدول استطاعت أن تتكيف بسهولة مع النموذج الهرمي الذي صممته وزارة الزراعة الأميركية كوسيلة لتحديد إنتاجيتها الزراعية وموادها الغذائية المحلية وتشكيل العادات الغذائية لسكانها، حتى أن بعض المدن الآسيوية ذهبت إلى أبعد من ذلك وغيرت في الشكل البياني للهرم وصممته على شكل معبد باغودا لضمان انتشاره بين الشعب بشكل أسرع.انتشار مطاعم الوجبات السريعة يحد من محاربة الأنظمة الغذائية غير الصحية ورغم أن الهرم الغذائي لم يحدث ذلك الأثر المتوقع على العادات الغذائية للسكان المحليين، إلا أن الولايات المتحدة فرضت القيود والضغوط لاتباع النصائح الإرشادية التي وضعتها للتحكم في إنتاجية المواد الغذائية ولزيادة صادراتها من القمح وفول الصويا، حيث شكلا أكثر من نصف إجمالي إنتاج المحاصيل. وبعد أن تم نشر نموذج الهرم الغذائي رسميا، طلب والتر ويليت رئيس قسم علم التغذية بجامعة هارفارد تعديل الإرشادات التوجيهية للهرم الغذائي. واعتمدت لجنة مفوضة من وزارة الزراعة الأميركية طلبه بشرط إرفاق الأدلة والبراهين المؤيدة لإثبات ذلك التعديل، وهو ما أثار اندهاش ويليت خصوصا أن وزارة الزراعة الأميركية لم تقدم الأدلة والبراهين على استنتاجاتها في بادئ الأمر عندما تم إنشاء الشكل الأولي للهرم الغذائي. وبعد عقدين من الزمن، قامت نفس اللجنة، التي استوحى أكبر عدد من أعضائها أعمالهم من أعمال ويليت، بتجميع أكثر النتائج العلمية صحة ودقة لدعم إنشاء النموذج المستحدث من الهرم الغذائي والذي تم تصميمه عام 2016 ليأخذ شكل الطبق. وظهر التدخل السياسي واضحا جليا، حيث قام الباحثون قبل عقود مضت بتوجيه المراجعات العلمية في مجال البحوث الغذائية لصالح صناعة السكر، وهو ما يذكرنا بنفس الاستراتيجية القديمة المتبعة مع التبغ. ولكن في هذه المرة، وجهت مجموعة من الخبراء انتقادات شديدة للإرشادات التوجيهية التي أصدرتها اللجنة. وقال الخبراء إنها تفتقر تماما إلى الأدلة العلمية التي لا يمكن أن تثبت إلا عن طريق المراكز العلمية المتخصصة. لقد تجاهلوا حقيقة أنه لا يمكن تطبيق هذه التجارب على علوم التغدية، وهو ما ينتقص من منطق الدليل العلمي القائم على التجربة، الذي يقوم على التوصل إلى أقوى دليل ممكن، وليس مجرد أي دليل متاح أمام العلماء. لم تحدث كل تلك الصراعات العلمية من دون ترك آثارها على المجتمع. فقد قامت عدة دول ولا سيما تلك التي تفتقر إلى القدرات البحثية بالاسترشاد بالمبادئ التوجيهية وإدراجها في نمط حياة شعوبها، وذلك بسبب عدم وجود الإمكانيات الكافية لتطبيق نتائج تلك الدراسات التي أجريت في نيو إنغلاند في أي بلد آخر. ولم يكن على المنظمات إلا اتباع نفس مبادئ التغذية لإظهار مدى موضوعيتها ولا سيما عند توزيع الوجبات المدرسية ووجبات المسجونين والمعونات الغذائية.من المتوقع أن تأخذ محاربة الأنظمة الغذائية غير الصحية وقتا أطول من الوقت الذي استغرقته محاربة التدخين الآثار الجانبية للحرية الشخصية على الرغم من كونه محدودا بعض الشيء إلا أن علم التغذية أعطى ما يكفي من الأدلة من أجل تأسيس عالم صحي وجيد، ولا سيما إذا وضع حيز التنفيذ. وبحسب دراسات أوروبية حديثة أجريت في سبع دول قامت من خلالها بتعريف المعلمين والآباء والأطفال بأنماط الحياة الصحية، لم تؤثر تلك الدراسات مقدار ذرة في تغيير السلوكيات الفردية. وأصبحت الدعوات الموجّهة للحكومات والتي تحث على تدخلها للتوعية ضد مرض السمنة، لا يمكن تجاهلها. ومما زاد الطين بلّة ظهور العديد من الجهات التي باتت تعرض منشورات غذائية، من ضمنها شبكة الإنترنت، مما زاد من حيرة الناس وصعب عليهم الأمر لمعرفة من هو الأفضل ومن هو الأحق أن يتبع. وتتردد المتاجر والمطاعم الكبرى في تقديم الأطعمة الصحية خوفا من أن تفقد قاعدة عملائها العريضة الذين اعتادوا على سهولة ونكهة تلك المأكولات. وليس من قبيل الصدفة أن يطالب صناع المواد الغذائية بترك الحرية الكاملة للزبون لاختيار نوعية الطعام الخاصة به. ولكن تحت تأثير ضغط الحكومة سيقومون على مضض بتأسيس مجموعة من الضوابط التي تحكم منشآتهم للتملص من تدخلات الحكومة. وتسبب انتشار مطاعم الوجبات السريعة حول العالم في الحد من الوعي بمحاربة الأنظمة الغذائية غير الصحية ومرض السمنة. وكما أن مكافحة التدخين كانت ولا تزال من الأمور الصعبة التي استغرقت قرونا من الزمن لمحاولة الحد من نزعة المجتمع نحوها على الرغم من وضوح الآثار الجانبية القاتلة، إلا أنه من المتوقع أن تستغرق مكافحة الأنظمة الغذائية غير الصحية وقتا أطول وأصعب نظرا للنتائج البحثية المعقدة وباعتبار أن الغذاء عنصر أساسي من الحياة اليومية لكل شخص. لذلك فإنه من المتوقع أن تأخذ محاربة الأنظمة الغذائية غير الصحية وقتا أطول من الوقت الذي استغرقته محاربة التدخين وقد يكون أطول أيضا من أعمار هؤلاء ممن دخلت صحتهم بالفعل في دائرة الخطر. وبالرغم من الأعباء الطبية التي نتجت عن تلك الخيارات غير الصحية، سيكون من الصعب على الدول الثرية تغيير تلك الأنماط، وستقف بدورها عائقا أمام بقية دول العالم.