×
محافظة المنطقة الشرقية

«وزارة» بلا قلب!

صورة الخبر

نادراً ما يُقرُّ قانون في لبنان يمكن وصفه بالمُنصِف للفئات الاجتماعية المعنية به. وذلك على رغم أنّ القانون يُدرس لشهور وأحياناً لسنوات في اللجان النيابية، لكنّه في الأخير يصدر منقوصاً أو غير عادل لمختلف الفئات ما يدفع المواطنين إلى التنازع مجدداً والنزول إلى الشارع لطلب تعديله. هذا ما ينطبق تماماً على قانون تحرير الإيجارات القديمة الذي أقرّ منذ نحو أسبوعين وأثار بلبلة واسعة وضجّةً كبيرة بسبب مواده القانونية التي تُقلق المستأجر القديم على مستقبله وأسرته من جهة، ولا تُنصف المالك القديم في شكل كامل من جهة أخرى بعد عشرات السنوات من عدم تقاضيه حقوقه المالية على صعيد الإيجار، جرّاء القوانين الاستثنائية للإيجارات القديمة. وبما أنّ النوّاب أقرّوا القانون وانسحبوا من المناقشة، ولم تُقدّم رؤية واضحة لمواده للمستأجرين تحديداً، فقد أدّى ذلك إلى موجة من الاعتصامات والتظاهرات المضادة، إذ يطالب المستأجرون رئيس الجمهورية ميشال سليمان ردّ القانون وعدم التوقيع عليه لأنّه «تهجيري» وسيؤدي إلى تشرّد آلاف الأسر، فيما يبذل المالكون القدامى أقصى الجهود لجعل القانون واقعاً على رغم «ثغراته»، لكي يسترّدوا حقوقهم البديهية بعدما عاش المستأجرون سنوات طويلة في المنازل التي يملكونها لقاء إيجارات رمزية.   اعتراضات المستأجرين منذ اللحظة الأولى التي أقرّ فيها المجلس النيابي القانون، بدأت الاتهامات تُساق إليه من المستأجرين القدامى، فهو يشرّد العائلات ويغيّر في التركيبة الديموغرافية للبنان وهو يأتي في مصلحة كبار المستثمرين الذين يريدون تغيير وجه المناطق اللبنانية بمشاريعهم الضخمة. وقد نظّم المستأجرون تظاهرات لرفض القانون، حيث أشار رئيس لجنة المستأجرين نبيل العرجا إلى أنّ تحرّكاتهم ليست في وجه صغار المالكين بل هي «صرخة حقّ في وجه المشرِّع»، معتبراً أنّ الوطن مهدّد بثورة اقتصادية واجتماعية إذا لم يُنصف الجميع. وفي التظاهرات، تهافت مستأجرون إلى وسائل الإعلام المختلفة لكي يرووا قصصهم ويخبروا عن حالتهم المعيشية التعيسة التي لا تسمح لهم بالتكيّف مع الإيجارات الجديدة. وعن الصندوق الرسمي المخصّص للمساهمة المالية لدعم المستأجر الذي نصّ على إنشائه القانون، لم يكن المستأجرون ينتظرون سؤال الصحافيين عنه لكي يعبّروا عن نظرتهم السلبية تجاهه تماماً، كما أي صندوق آخر أنشأته الدولة. وتتركّز مطالبات المستأجرين على إعادة رئيس الجمهورية ميشال سليمان القانون إلى المجلس النيابي ليُعيد درسه، إذ تساءل أحد المستأجرين «ماذا يمكن لأمثالي من الفقراء أن يفعل إزاء الإيجار الذي سيرتفع تدريجاً ليصل إلى حدّ لا يمكن تحمّله؟ وهل سأرمى في الشارع؟». فالمساهمة المالية، لو تمّت، لها سقفها الزمني كما يشرح المستأجرون، وبعد تحرير عقد الإيجار سيضطرون للبحث عن منزل آخر وسط التصاعد الخطير لأسعار العقارات والإيجارات.   إنصاف جزئي للمالكين على رغم القلق الذي يعبّر عنه المستأجرون القدامى تجاه القانون الجديد، هناك في المقابل فئة المالكين الذين وجدوا أملاكهم شبه «مصادرة» سنوات طويلة، وهم غير قادرين على استردادها إلا بدفع خلوٍّ باهظ لا يملكه كثيرون منهم. لذا، رحّب مالكو الأبنية القديمة بالقانون مع إشارتهم إلى تحفظّات كعدم إقرار أي تعويضات عن السنوات الفائتة التي لم يستفيدوا خلالها من أبنيتهم. وفي شرحه المواد التي صدرت ضمن القانون، يقول رئيس تجمّع مالكي الأبنية باتريك رزق الله أنّ «هناك حملة تضليل وتعمية وتشويهٍ للحقائق يقوم بها من يدّعي تمثيل المستأجرين» بما أنّ القانون لم يشرّد المستأجر أبداً، بل سمح له بأن يقيم لمدّة ١٢ سنة مجاناً في حال كان ذا دخل محدود. ونصّ على إنشاء صندوق المساهمة المالية لئلا يتكبّد المستأجرون حمل وزر الإيجار الجديد وحدهم. وهكذا يكون القانون قد ميّز بين المستأجر الفقير والميسور. وبما أنّ هذه النقطة تحديداً أثارت جدلاً كثيراً، يوضح رزق الله أنّ الصندوق مرتبط مباشرة بالمالك، وفي حال تخلّف عن الدفع فذلك لا يهدّد المستأجر ووجوده في المنزل أبداً. ويستغرب قول المستأجرين إنّ لا تعويضَ لهم، «فإقامتهم في المنزل لمدّة ١٢ سنة إضافية مجاناً هو أفضل تعويض يمكن أن يُقرّ لهم». ويؤكد رزق الله أنّ مشكلة المستأجرين ليست مع المالكين القدامى الذين يحقّ لهم استرداد أبنيتهم بعد انقضاء سنوات عدة، بل مع المؤسسات الرسمية التي لم تطوّر سياسة إسكانية واضحة لتأمين المسكن لكلّ مواطن، مع إشارته إلى أنّ مشروع قانون الإيجار التملّكي أصبح في مراحله الأخيرة، ويمكن أن يستفيد منه أي شخص مهما كان عمره أو دخله، لأنّ الاستفادة تطاول الأجيال المقبلة وليس المستأجر الحالي فقط. وبالتالي، يرى رئيس التجمّع أنّ هناك ١٢ سنة مقبلة يجب أن تكرّس للنضال بهدف إقرار قانون الإيجار التملّكي الذي يعيد الطمأنينة للمواطنين اللبنانيين ذوي الدخل المحدود. فهل يمكن للبنانيين مالكين ومـــستأجرين أن يــتفقوا على النضال من أجل هذا القانون لكي يُقرّ في شكل عادل ومساوٍ للفئات كلها بدل أن ينســاقوا وراء الاتهامات والشتائم التي تعزّز النزاع ولا تخدم القضية الاجتماعية - الإنسانية، خصوصاً أنّ هناك أكثر من ١٥٠ مبنى سكنياً قديماً معرّضاً للانهيار في أي لحظة؟ لبنان