كان استقلال جنوب السودان انتصارًا دبلوماسيًا لإدارة أوباما لكنه تحول إلى كابوس لها وما زال فى وسع أمريكا مساعدة شعب جنوب السودان فى بناء مستقبل أفضل ولكن من الضروري جدًا الآن أن يتراجع رياك مشار وسلفاكير عن حافة الهاوية.. هذه الرؤية طرحتها واشنطن بوست فى افتتاحيتها يوم 10 أبريل الحالي وهى تكشف تمامًا عن قلق واشنطن لما يجري هناك. وسبق لأمريكا الحائرة فى رتق «الخرق بين الزعيمين» إعلان أنها ستوقع عقوبات عليهما وهي التى كانت تتمنى خلق «جنوب مزدهر.. وهي كانت من أوائل المعترفين بدولة جنوب السودان. وجنوب السودان الآن تحت سطح صفيح ساخن.. والحرب سجال بين جنرالات الحركة الشعبية التى تسلمت السلطة والثروة «بنفطها» الذي أحرق براميل البترول تحت أقدام الجنود الحافية وأضرم اللهيب فى أدغال بانتيو وبور وضاعت أصوات الدينكا والنوير فى معارك الاصطفاف القبلي والجهوي وربما الطمع فى الثروة وغابت شعارات «الاستقلال من السودان القديم» فى أتون «حرب الإخوة الأعداء ريك مشار» زعيم قبيلة النوير» وسلفا كير» قائد قبيلة الدينكا».. والذاكرة تقول إن النفط كان أول من دق الإسفين فى الحكم بجنوب السودان لأن الثروة دائمًا ما تكون «شيطان التفاصيل» فى دولة تحت الإنشاء والتكوين.. خارجة من حرب طويلة.. تفتقد للبنية التحتية.. بينها وبين السودان «الأم» ما صنع الحداد.. يقف أكثر من عائق فى ترطيب الأجواء بين البلدين والقيادتين.. وثمة أبيي القضية «المعلقة» حتى الآن بين مطالب المسيرية بالمرعى والماء لماشيتهم وحرية العبور والذين يؤسسون على الوجود فى هذه البقعة من الأرض إلى هجرتهم المبكرة من مملكة (ودّاي) (تشاد حاليًا)، ويستندون على مخطوطة تعود لعام 1110هـ؛ أي 1700م، فيما يقول التاريخ أن دينكا نقوك هاجروا إلى أبيي في عام 1904 -1905م وقرر سلطانهم (أروب) عام 1904 م أن يتبع لمديرية كردفان وليس بحر الغزال، إلا أن هذا التاريخ لا يدل بشكل قطعي على أن الدينكا قبل ذلك لم يكن لهم وجود، فهو انضمام إداري. وهذه مشاغل ومشاكل لا يمكن أن تقود لصداقة وحميمية بين الخرطوم وجوبا إلا إذا حلت المشكلة التى رأى حلها الأمريكيون ذات يوم بنقل قبيلة المسيرية الرعاة الرحل للاستقرار فى مناطق بالجوار، وكعادتهم دخل الأمريكيون على الخط بطرحهم على المسيرية مغادرة أبيى إلى الجوار الجغرافي للجنوب فى «كردفان» على أن يتمتعوا بالخبرة الأمريكية فى تحويل لحوم أبقارهم إلى همبورجر»المسيرية» ليغزوا العالم وسينقلون لهم كل وسائل التقنية الحديثة فى تغذية الحيوان وإنشاء المزارع الحديثة والتسمين.. مثلهم مثل رعاة الغرب الأمريكي .. لكن رد ناظر المسيرية بأدب على «المقترح الأمريكي الذى حمله المبعوث الأمريكي للسودان دانفورث ذات يوم» وقال له: معركتنا معركة وجود. ديمقراطية القبيلة يظل النفط هو العامل الأساسي فى صب الزيت على نار الحرب بجنوب السودان وفي الكر والفر بين جيشي الحركة الشعبية «سلفا كير» ومقاتلي النوير «التابعين لريك مشار» يتأرجح مؤشر بوصلة الانكسار أو النصر فى معركة الخاسر فيها جنوبيي السودان وما يؤكد هذا «إعلان مقاتلي ريك مشار سيطرتهم الثلاثاء على مدينة بنتيو عاصمة ولاية الوحدة المنتجة للنفط وسارع زعيم النوير بالطلب من العاملين بشركات النفط حزم أمتعتهم والرحيل في غضون أسبوع. أما المتحدث باسم المتمردين لول روي كوانج فبين أن «إعادة السيطرة على بنتيو تمثل المرحلة الأولى لتحرير حقول النفط من قوات الإبادة التابعة لكير والمعادية للديمقراطية» وحث كل شركات النفط العاملة في المناطق الخاضعة للحكومة بوقف عملياتهم وإجلاء موظفيهم خلال أسبوع. وقال «إن شركات النفط ستواجه احتمال وقف أنشطتها النفطية بالقوة، إضافة إلى تعريض سلامة موظفيها للخطر في حالة عدم انصياعها لهذا الطلب». وهنا فى هذه المنطقة فى أحراش جنوب السودان تحديدًا يخسر الروس الذين يستعرضون عضلاتهم فى القرم ويكشرون عن أسنانهم فى الشرق الأوكراني لأن طبيعة الأرض والموقع الجغرافي والإنسان عوامل مختلفة لذلك صيب ثلاثة من مواطنيهم العاملين فى شركات النفط الذين دخلوا إلى هذه «الوكنات» للعمل فى مصفاة تكرير شيدت حديثًا في بانتيو. ولو كان ذراع الروس طويلة «كالعادة» لأرسلوا خيلهم ورجلهم لإنقاذ «الموسكوفيين» وتأديب «جيش النوير الأبيض» وضبط الأمور لأن الروس روس سواء كانوا فى إبخازيا أم القرم أو حتى جنوب السودان»، ويفشل المفعول حتى هنا» لأن الجنوب بعيد بعيد بعيد وبين تاكيد أنصار مشار «احتلالهم لبانتيو» وحديث فيليب أقويرالمتحدث باسم جيش جنوب السودان عن وقوع القتال في ولاية الوحدة وعدم امتلاكه لتقرير وآف بشأن ما حدث. بشكل محدد. ثمة أسئلة كثيرة تلوح فى الأفق منها إلى أين تسير وحدة جنوب السودان الهشة ؟ وماذا لو خرجت القبائل الأخرى عن طوع جوبا ؟ وهل الحل فى رجوع جوبا إلى حضن الخرطوم «تحت مظلة نظام كونفيدرالي» حتى لو لم يكن هذا الصدر دافئًا مئة بالمئة والانتظار يظل سيد الموقف. الغرب يسعى لحكومة انتقالية جنوبية لكن جوبا تتشكك فى كل خطوات الخرطوم وإشاراتها الملتبسة فبالرغم من زيارات البشير وسلفا كير المتبادلة لكن جوبا تعتقد دائمًا أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم يدس دائمًا السكاكين الطويلة «في ظلام مشاك الجنوب الدامسة» وأن مطامع الخرطوم فى النفط ليست بخافية وستدعم من يلوح لها ببرايل البترول أيًا كان وفى هذا الملف فهي برغاماتية وتحركها مصلحتها لا محبتها لهذا السبب سارع جنوب السودان رسميًا باتهام الخرطوم بتدريب وتسليح قوات رياك مشار ودعمه بشكل خفي وسارع المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية العقيد الصوارمي خالد سعد بنفي الأمر جملة وتفصيلا، وأكد أن المنطقة الواقعة ما بين منطقتي هجليج والخرسانة بولاية غرب كردفان توجد بها أعداد كبيرة من النازحين من دولة الجنوب الذين نزحوا بعد المعارك الشرسة التي وقعت بين الأطراف المتنازعة بدولة جنوب السودان ويتلقون الآن المساعدات المقدمة من منظمات العون الإنساني . وقال الصوارمي متحدثًا باسم الخرطوم بإلتزام القوات المسلحة السودانية الحياد التام تجاه الأوضاع في دولة الجنوب وعدم التدخل في أي من قضاياها الداخلية، مشددًا على إلتزام الجيش السوداني بتوفير الحماية الكاملة للنازحين من دولة الجنوب بتلك المعسكرات. وكانت الخرطوم قد وجهت انتقادات حادة لهيئة إيقاد التى تدير ملف التفاوض بين الفرقاء، لافتة إلى أن الوضع مايزال مفتوحًا على الاحتمالات كافة، وكشفت عن مساع غربية لفرض حكومة انتقالية لايشارك فيها الرئيس الحالي سلفاكير ميارديت ولاقائد المتمردين د. رياك مشار. الطرح السابق كشفت عنه الخارجية السودانية فى بيان لها أمام البرلمان السودانى أمس الأول، مشيرة إلى أنها تنظر للقضية من منظور أن منظمة الإيقاد تدير ملف التفاوض بين الحكومة في جوبا والمتمردين بصورة تقليدية دون الأخذ في الاعتبار الطبيعة المختلفة للبيئة الجنوبية بمختلف مناحيها مما يقود لفشل تصوراتها في إيجاد الحل وتقطع بأن الازمة في جوبا لن تحل بناءً على موزاين القوى وتقديرات الخصم ولا على المعادلات السياسية وتقول رؤية الحكومة السودانية أن الحل الشامل يكمن فى إعطاء الفرصة لأطراف الصراع والمجتمع المدني للمشاركة في الوصول للحل. مشار.. عين على جوبا فيما تتحرك كرة النار فى جنوب السودان لم يخف مشار رغبته فى السيطرة على العاصمة جوبا وحقول النفط الأساسية، محذرًا من أن الحرب الأهلية لن تتوقف قبل سقوط الرئيس سلفا كير. والذى أطلق عليه لقب «الديكتاتور»، وأشار إلى أنه لا يجد «سببًا لتقاسم الحكم معه»، وأضاف مشار «نحن لا نقوم سوى بمقاومة النظام الذي يريد تدميرنا»، مشيرًا إلى أنه يأمل أن «يحترم الطرفان» اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 23 يناير والذي ينتهك بشكل دائم. والمشهد « الجنوبى» تتخلله الكثير من «المناظر» ففيما يتجول ريك مشار فى حقول النفط بحرية الآن يقبع عدد من القيادات الموالية له فى السجون بجوبا على خلفية مشاركتهم فى الانقلاب على سلفا كير والذى بحسب الحركة الشعبية دبره «ريك مشار» وأرجأت محكمة في جوبا الثلاثاء، محاكمة 4 من المتهمين بالمشاركة في «محاولة انقلاب ديسمبر الماضي»، للاستماع إلى إفادة المتهم الأخير إيزيكيل لول جاتكوث سفير جنوب السودان السابق لدى واشنطن. واستمعت المحكمة «المديرية» إلى إفادة المتهم الثالث في القضية مجاك أقوت أتيم نائب وزير الدفاع السابق، الذي نفى أن يكون مذنبًا أو أنه قد ارتكب خيانة للدولة، كما نفى أيضًا حصول أي انقلاب. وقال أتيم في إفادته: «إن الحقائق ستظهر في النهاية لشعبنا، كما أن التاريخ سيحاكم أي مجموعة أو أفراد تسببوا في عدم الاستقرار في هذا البلد، جنوب السودان، وذلك من أجل «تمرير أجندتهم الضيقة»، لم يحدد أسماء معينة. سباق مع المطر لمنع الجوع مسؤولة المساعدات في الاتحاد الأوروبي كريستالينا جورجيفا تنظر للأزمة فى جنوب السودان عبر الإغاثة وتقول إن منظمات الإغاثة الإنسانية في «سباق مع المطر لمنع المجاعة» في جنوب السودان، حيث شرد القتال أكثر من مليون شخص خلال الأربعة أشهر الماضية. وعلاوة على الصعوبات التي تواجهها بسبب العنف تكافح المنظمات الإنسانية أيضًا لتخزين المساعدات في أنحاء البلاد مع اقتراب موسم الأمطار الذي يستمر لمدة ستة أشهر. وقالت جورجيفا «نحن بحاجة للحصول على الأموال الآن لأننا إذا لم نجهز المواد الغذائية الآن.. قبل موسم الأمطار فقد تدركنا المجاعة». لذا فإننا إذا لم نفعل شيئًا خلال ستة أشهر فإن الناس سيموتون من الجوع.. لا نستطيع القول إننا لم نتوقع حدوث ذلك. وأضافت هذا سباق مع المطر لمنع المجاعة. وتؤوي بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان في قواعدها عشرات الآلاف من المدنيين الذين لجأوا إليها. وتعهدت دول مانحة في يناير كانون الثاني بتقديم 1.27 مليار دولار مساعدات طارئة لكن الأمم المتحدة تقول إنها لم تتسلم سوى ثلث المبلغ حتى الآن. المزيد من الصور :