تتجرع المرأة قساوة العلاقة ومرارة العشرة ونكد الحياة مع زوج أحال الحياة بالنسبة لها إلى جحيم، إلى جهنم مستعرة.. ينتابها الشعور بالغثيان كلما نظرت إلى عينيه، وتحس بحشرجة روحها كأنما تتصعد في السماء كلما اقترب منها، فإذا هي طالبت بالانفصال تحت مبرر أن طلاقاً شريفاً خير من استمرار رخيص، وقف مجتمعها بجملته في مجابهة مع قرارها، واعظاً بمصير الأبناء، وفاتورة اللقب، وتكلفة التحول من حياة لأخرى، وشح الخيارات... لا أحد يهتم أو يلتفت إلى حقها في الحياة.. أو يشاركها مرارة تفاصيل الحياة الراهنة.. فيما الرجل تلوح أمامه كل الخيارات مشرعة وارفة إن هو ابتلي بزوجة نكدية أو لم تأتِ على هوى أهله، أو لم تساير مزاجه.. لتأتيه الإرشادات الحانية من كل مكان؛ «طلقها.. بدل المرأة ألف»... «تزوج أخرى واستمتع.. استبقها لرعاية أبنائك، حياتك أثمن من أن تهدرها على هذا النحو»... تترمل الزوجة، وتنزع من صميم فؤادها حياة جميلة مبهجة، لتحل مكانها صحراء جرداء؛ بلا عاطفة، ولا حب.. تفتقد بشدة لأوقات السمر، والبوح، والاهتمام، وسؤال اللهفة عن الحال، فإذا هي ألمحت لمن حولها بحاجتها إلى شراكة زوجية جديدة وعدم قدرتها على احتمال العيش وحيدة مهملة.. تطاول عليها مجتمعها بالألقاب «قليلة أدب».. «جريئة».. «أنانية» كان عليها أن ترهن حياتها الوارفة لأولادها الذين سيكبرون يوماً ويمضون حياتهم دونها... لا أحد يهتم أو يلتفت إلى حقها في الحياة.. فيما الرجل قبل أن يفرغ من رصف اللبنات على قبر زوجته ونفض يديه من ترابها، تكون قد أعدت له أمه وأخواته قائمة مقترحة، مجهزة بكافة التفاصيل للعرائس المرشحات.. «من غير المنطقي أن يظل الرجل لأيام وحيداً بعد رحيل زوجته»!! عندما ينوي الشاب الزواج، يهرع الأهل إلى الفحص الدقيق والبحث المخابراتي، والسؤال الإحصائي.. عن الأجمل والأبيض والأصغر حتى لو أدَّى ذلك إلى التغافل، عن بلادة، أو طيش، أو غياب التأهيل، أو تراجع في القدرات المعرفية وترهل في الذوق والسلوك في زوجة المستقبل.. ما يهم أن ترتاح عين الابن وتأنس بالجمال.. فيما الأهل يغمرون الفتاة منذ ولادتها بأنه يكفي في عريس المستقبل أن يكون أجمل من القرد بقليل!! لا أحد يلتفت إلى حقها في معاشرة من ترتاح له نفسها شكلاً ومضموناً، والاعتراف بأن لها عين الرجل نفسه في حب الجمال والأناقة والوسامة والرشاقة في شريك أبدي... يمرض الزوج أو يتعرض لحادث يقعده عن مزاولة الحياة بشكلها الطبيعي، وحين تفصح الزوجة الشابة عن رغبتها في الانفصال لعدم احتمالها دور الممرضة، وقتامة الحياة مع رجل مقعد ومريض، وضياع البهجة التي كانت تخطط لها منذ زمن بعيد يهب المجتمع من حولها لسرد قوائم الولاء والوفاء والرضا بالقدر والتضحية.. لا أحد يهتم أو يلتفت إلى حقها في الحياة... فيما يبدو من غير المنطقي ولا المنصف أن يلازم الرجل زوجته وأم عياله المريضة، حتى وإن كان هو المتسبب في وقوع الحادث الذي أقعدها... وكل يوم يمضي برفقتها، يرصف له المجتمع لبنة لتشييد تمثال يؤرخ لفروسيته وشهامته وتضحيته التي تُروى على مر الأجيال كالأساطير.... يكتب بالعنوان العريض في الصفحة الأولى من الجريدة عن الرجل التسعيني الذي تزوج بفتاة أصغر من أصغر حفيداته، يتوجه الصحفي البليد للسؤال عن تفاصيل الوصفة السحرية التي حافظ فيها العجوز الهرم على صحته بحيث جعلته واثقاً من الإقدام على مثل هذه الخطوة البطولية، ليسرد لهم الأخير سيرة العسل والمشي والشمس... فينشغل المجتمع، الأكثر بلادة من الصحفي، بوصفات إكسير الحياة عند العجوز غير ملتفتين إلى الفتاة التي تحترق أزهارها في العيش مع رجل متغضن، تروعها أنفاسه التي تهدد حشرجاتها كل ليلة بالرحيل...