يشهد البيت الأبيض حضوراً عربياً غير مسبوق بزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ثم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ولم يتحدد بعد موعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولكن على ضوء الزيارتين المذكورتين يتبلور موعدها. فالإدارة الأمريكية تجري مناقشات داخلية وخارجية لتحديد خطوتها التالية تجاه الصراع العربي - «الإسرائيلي» وملفات أخرى في المنطقة كملفي إيران واليمن، وفي الملف الأخير تبدو ماضية قدماً في إضعاف الحوثيين والقاعدة ودعم التحالف العربي هناك كرسالة قوية ومبكرة لإيران. الرئيسان السيسي وعباس والملك عبد الله الثاني، ناقشوا على هامش قمة البحر الميت الموقف العربي من الملف الفلسطيني خاصة قبل الزيارتين. ولم تكن هناك رؤية فلسطينية جديدة للحل، كما قال أمين عام الجامعة العربية، وإنما عرض الفلسطينيون رؤيتهم التي سبق أن قدموها لوزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري والتي تنص على إقامة دولة في حدود الرابع من يونيو/ حزيران سنة 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتبادل للأراضي بنسبة ضئيلة لا تزيد على ثلاثة في المئة بالقيمة نفسها، وأن يتولى طرف ثالث المسألة الأمنية وانسحاب «إسرائيل» وفق جدول زمني محدد. لكن بنيامين نتنياهو رفض الطرح في حينه، وعرض خطة مضادة تفرّغ الخطة الفلسطينية من مضمونها بالإصرار على الوجود العسكري في الأغوار، وإقامة دولة مؤقتة الحدود وإسقاط حقوق اللاجئين. لكن في القمة العربية كان هناك أيضاً جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط الذي التقى وفوداً عربية لبلورة موجز عن المواقف العربية من القضايا التي ستطرح على الرئيس الأمريكي. وبات معروفاً أن واشنطن حسمت موقفها في سوريا، ألا وهو الاعتراف ببقاء نظام بشار الأسد، كما ورد في تصريح لوزير خارجيتها تيليرسون في أنقرة، أما بشأن اليمن فتصاعد العمل العسكري الأمريكي هناك من الجو ضد القاعدة، وقد يتسع ليشمل الحوثيين وإغلاق منافذهم البحرية التي تستخدم لتهريب السلاح الإيراني. أما بشأن القضية الفلسطينية، فإن الصفقة التي يحاول الرئيس ترامب عقدها ما زالت في طور التفكير، فهو من جهة يريد إرضاء «إسرائيل» بدفعها إلى المحيط العربي، ومن جهة أخرى يريد إرضاء الدول العربية بشأن الاستيطان وتمهيد الطريق لاستئناف المفاوضات، وأيضاً اتخاذ موقف واضح تجاه التمدد الإيراني في العراق وسوريا والتهديدات الإيرانية لدول الخليج، وهي تهديدات وجودية بالنسبة لدول الخليج العربي. ثمة من يقول إن إدارة ترامب عادت إلى فكرة الوزير السابق جون كيري، أي عقد قمة عربية - «إسرائيلية» يسبقها تحقيق بعض المطالب الفلسطينية من الاحتلال كتجميد الاستيطان، وقد سمع غرينبلات هذا الموقف في قمة البحر الميت، حيث إن الطريق إلى الحل واضح، وهو قيام الدولة الفلسطينية، وبغير ذلك لا حل ولا تسوية. فالرئيس السيسي يتبنى هذا الموقف، إضافة إلى أنه مصمم على إعادة الحياة للعلاقات الأمريكية -المصرية إلى سابق عهدها، ويأمل السيسي في وضع واشنطن «جماعة الإخوان» على لائحة الإرهاب، وهذه الخطوة قد تبدو صعبة حالياً، لكنه يأمل على الأقل في دعم موقف مصر في محاربة الإرهاب، لأن الإدارة السابقة لم تكن تنظر إلى الإرهاب في مصر على أنه جزء من الإرهاب في المنطقة، بل تعتبره قضية محلية في انحياز واضح لجماعة «الإخوان». أما العاهل الأردني فإنه يحمل إلى واشنطن الملفات نفسها لكن بسخونة أكثر، لأن الأردن بات مستهدفاً، سواء من فلول الإرهاب في العراق وسوريا أو من سياسة الاستيطان «الإسرائيلية» وأنصار النكوص عن حل الدولتين، ما يهدد الأردن نفسه أرضاً ونظاماً وشعباً. من هنا فإن تشابك الملفات لا تحل عقدته في النهاية إلا بحل للقضية الفلسطينية التي كان لها حصة الأسد في مداولات وبيان القمة. ولعل نجاح العاهل الأردني في عقد القمة، هو دعم معنوي له عندما يكون في البيت الأبيض لأنها كانت اختباراً لقدرته على الساحة العربية. عملياً تبدو إدارة ترامب قد استطابت تحولها إلى وجهة سفر إجبارية للقادة العرب، وفي مطلع الصيف ستكون المنطقة وجهة سفر للمسؤولين الأمريكيين، بهدف إحياء تحالفاتها، ومحاولة إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ومتابعة الإرهاب في ساحاته. حافظ البرغوثيhafezbargo@hotmail.com