قال الشاعر والقيادي في وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد "عبدالمجيد بن محمد العُمري": إن العلامة الموسوعي "الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي" -رحمه الله- كان عالمًا وفقيهًا مجتهدًا فاق معاصريه من المشايخ، بل ومن أتى بعده بعقود، وتميز عليهم بأنه سابق لعصره وبسعة أفقه وانفتاحه مع العالم، وقبل ذلك كان مدركًا ومحيطًا بفقه المقاصد الشرعية واحتياجات الناس وتطورات الحياة العصرية، وله فتاوى قبل أكثر من 70 عامًا اجتهد فيها وأيدته المجامع الفقهية في وقتنا الحاضر، ومنها جواز نقل الأعضاء، حين كان الطب آنذاك قاصرًا عن زرع قرنية العين. ونقل "عبدالمجيد بن محمد العُمري" عن الشيخ "السعدي" قوله: "يجب أن يعرف الناس أن الدين الإسلامي لا يقف حاجزًا دون المصالح الخاصة أو الراجحة، بل يجاري الأحوال والأزمات ويتبع المنافع والمصالح الكلية والجزئية"، مبينًا أنه كان "يطبق فقه الواقع ولا يتوانى عن الأخذ بكل مفيد وجديد من مناحي الحياة طالما أنه لا يتعارض مع أصول الشريعة وقواعدها، وكان منهجه الدليل ولم يكن مقلداً ولا متحيزاً لمذهب". وبين أن من العوامل التي هيأت له ذلك، بعد توفيق الله عز وجل: حرصه على طلب العلم والجدّ فيه، والصبر على تتبع مسائله في مظانها المختلفة، وإن كان لقد لقي بعض العناء بسبب اجتهاده الذي لم يكن مألوفاً في زمنه، وحتى خُطب الشيخ السعدي في جامع عنيزة كانت في مضامينها مخالفة للخطب المألوفة في نجد ممن كانوا يقرؤون في كتب وخطب الأوائل كابن نباتة وغيره، أما هو فكانت خطبه مسايرة لحوادث العصر وقضايا المجتمع. وأشار إلى أنه مما تميز فيه أيضاً: سعة اطلاعه على العلوم العصرية، وتواصله بالقراءة في المجلات العلمية الشرعية التي كانت تصدر في الشام ومصر والعراق، حتى إنه حين كلفه الوزير "عبدالله السليمان الحمدان" بتأسيس المكتبة الوطنية بعنيزة، وذلك عام 1360هـ؛ بذل الشيخ جهوداً كبيرة في تأسيسها، وتأمين المراجع العلمية لها من كل مكان، وجلب لها آلاف المراجع ما بين مطبوع ومخطوط في شتى العلوم والفنون والمعارف؛ مما لم يكن مألوفاً في المنطقة. ولفت إلى أنه -رحمه الله- ألّف وصنف في موضوعات شرعية متعددة، وله بحوث ورسائل وفتاوى لم يُسبق إليها في مجتمعه، وله مؤلفات ومصنفات كثيرة "جمعت في ١٦ مجلداً"، ومن أبرزها التفسير الذي كتبه ولقي القبول العريض "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، وهناك كتب ورسائل أخرى لقيت القبول، ومنها رسالة طبعت مئات المرات هي "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة"، ولكتابتها قصة لطيفة تؤكد على سعة اطلاع الشيخ وتبحره وإيمانه أن الحكمة ضالة المؤمن؛ فحين كان في رحلة علاجية في لبنان، تسنى له خلالها الاطلاع على ترجمة لكتاب "دع القلق وابدأ الحياة" لمؤلفه "ديل كارنيجي" مؤسس معهد العلاقات الإنسانية في نيويورك، ومن فرط إعجابه بالكتاب طلب من ابنه "عبدالله" أن يشتري نسختين منه لمكتبة عنيزة، وحدث تلاميذه عن الكتاب، ومن بينهم "الشيخ عبدالله بن عقيل" -رحمه الله- وقال لتلاميذه: "المؤلف نهج في توصياته بما أمرنا به في ديننا الإسلامي، بالصبر، وأن نفعل الخير ونكف الأذى، وذكر عوامل عديدة تسهم في جلب السعادة وطرد القلق، وحيث إن المؤلف ليس بمسلم، فبكل تأكيد كان ينقصه أن يذكر المصدر الأول لجلب السعادة والطمأنينة، وهو الإيمان بالله والمحافظة على الصلوات المكتوبة وقراءة القرآن والأذكار، واحتساب الأجر عند البلاء، ونحو ذلك مما جاءت به الشريعة، فعزم الشيخ بعد حديثه مع تلاميذه على كتابة هذه الرسالة الماتعة، وكانت هذه الرسالة إحدى ثمار القراءة والاطلاع، وحققت انتشاراً واسعاً وقبولاً كبيراً". وقال "العمري": "كان مجرد الاطلاع على العلوم الإنسانية غير الشرعية في ذلك الوقت يدخل في دائرة المحظورات، ولربما نال من يُعرف عنه ذلك الهجر والتحذير، ولكن الشيخ السعدي -رحمه الله- حينما قرأ الكتاب، ولمس فيه الفائدة، حرر هذه الرسالة مستفيداً مما ورد في كتاب كارينجي". وأردف: "هكذا كان الشيخ السعدي لم ينحصر في التخصص الشرعي فحسب، بل امتدت عنايته واطلاعه إلى الدراسات الأدبية والفكرية والإنسانية الأخرى؛ وتنقل في حقول العلم والفكر رغم قلة المطبوع آنذاك وصعوبة توفرها في منطقة صحراوية قاحلة. ولقد رزقه الله سعة في الأفق، وعمقاً في النظر، فاتسع فكره، وانطلق في آفاق رحبة واسعة، وآتاه الله بصيرة نافذة جعلته ينفذ إلى أعماق الحقائق وأبعادها، فيقدرها بقدرها، ويضعها في مواضعها، فقرأ وتدبر ثم كتب وألف في علوم شتى".