لا شك أن الأحداث الجسام ولاسيما تلك التي تواجه مجتمعاً ناشئاً هي من تغير وجْهه ووجهته، وتوقِف أحياناً تطوره وسياقه الاجتماعي، وهنا أبرز عشرة أحداث، أحدثت فارقاً في تاريخ السعوديين. يأتي أولها، مشروع زيادة مداخيل الحكومة السعودية من شركة أرامكو الأميركية، الذي أطلقه الوزير العبقري الشيخ عبدالله الطريقي، أول وزير نفط سعودي، حين أجبر الشركة الأميركية على تقديم التنازل تلو التنازل لمصلحة وطنه. ذلك المشروع هو من حوّل السعودية «الفقيرة» إلى السعودية «الغنية» فيما بعد، إذ كانت الحكومة لا تأخذ إلا النزر اليسير من أموال النفط. ففي عامي 1973 و1974 أثمرت أولى نتائج أعمال الحكومة السعودية، حين استحوذت بالتوالي على نسبة 25 في المئة ومن ثم 60 في المئة، من ملكية «أرامكو»، لتصل إلى ملكية كاملة في عام 1980. الحدث الثاني كان إلغاء الرق، إذ أسهم في تحويل السعودية في وقت مبكر، من دولة تعيش في القرون الوسطى، إلى دولة حديثة تحترم قيم الإنسانية، وعالجته بشكل ديني. الحدث الثالث كان افتتاح الإذاعة والتلفزيون، إذ شرَعَ العالم بكل ثقافته وتنوعه أمام السعوديين، الذين أجبرتهم صحراؤهم القاحلة على البقاء بين أوديتها وشعابها آلاف السنين. أما الحدث الرابع فكان الطفرة المالية الكبرى التي انعكست على مداخيل السعودية حكومةً وشعباً، وتحويل المجتمع من فقير عام 1970، وما قبلها، إلى شعب مرتاح عام 1980، كما دفع الوطن كله إلى آفاق تنموية كبرى. لم تكد السعودية تهنأ بتلك الطفرة المالية، حتى فاجأتها مجموعة من الأحداث الصعبة، التي حرفتها عن تطورها الاجتماعي. كان أبرزها الحدث الخامس، عندما احتل «جهيمان» الحرم المكي الشريف عام 1400هـ، وقيادته لمجموعات إرهابية متطرفة سعت إلى قلب نظام الحكم، وتدشين حقبة من الرجعية والتخلف، قائمة على أضغاث الأحلام، وإسقاط الملاحم والنوازل بغير علم على واقع الحال. الحدث السادس كان الحربين الأفغانية-الروسية، والعراقية-الإيرانية، فقد وجدت السعودية نفسها أمام تحدي وجود، فالبوابة الشرقية للعالم العربي تكاد تتحطم أمام الحمق الفارسي، والدب الروسي بكل أحلامه بدأ يقترب من المياه الدافئة. هذا الأمر دفع السعودية إلى تأجيل، وأحياناً إلى إيقاف بعض برامج التنمية، لدعم المجهود الحربي على تلك البوابتين، ذلك الإيقاف التنموي انعكس سلباً على السعوديين ومدنهم وشوارعهم، التي ما إن تنفست المال قليلاً حتى جف من بين أيديهم 20 عاماً مقبلة. الحدث السابع كان تبنِّي مجموعة من المشاريع المدنية للمحافظة على السياق الاجتماعي الذي قطعته أحداث «جهيمان»، فدشنت جائزة الدولة التقديرية للثقافة، وبُنيت الأندية الأدبية، والملاعب الرياضية، وأقيم مهرجان الجنادرية بإشراف وزارة الحرس الوطني، والذي يعد أكبر تجمع تراثي وثقافي في العالم العربي، وبدأت دورته الأولى في 1985. لم تمضِ بضعة أعوام حتى داهم صدام حسين الحدود الشمالية للمملكة، لتدخل المملكة في حرب مباشرة للمرة الأولى في تاريخها، لم يكن هذا الحدث الثامن سهلاً، فقد كان زلزالاً هائلاً، خض المجتمع بكل مكوناته. الحدث التاسع، كان اتهام 15 من أبناء المملكة بتفجيرات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، لقد وجدت السعودية نفسها في موقف صعب، فمعظم من اتُّهم بالقيام بالعمل الإرهابي سعوديون. لقد استطاعت المملكة التعافي سريعاً، بسبب «كتيبة» السياسة والديبلوماسية السعودية التي خرجت من حقل ألغام أحداث سبتمبر، من دون خدوش. لكن التعافي لا يقي مكائد الإرهاب، فلم تمر ثلاثة أعوام حتى قامت مجموعة من الإرهابيين أنفسهم بأعمال قتالية وتفجيرات في الرياض، ومدن أخرى بما فيها المدينتان المقدستان. أما عاشر الأحداث، وأكثرها خطراً، مكان عندما داهم المنطقة العربية كلها ما يسمى «الربيع العربي»، الذي اقتلع دولاً وحولها في غمضة عين إلى أشباه دول، وأسفر عن قتل وتشريد الملايين، لكن السعودية استطاعت أيضاً النفاذ ببراعة من عواصف «الخريف»، من دون أية أضرار. الحياة