«المرأة الشجرة» مصطلح جديد تحاول الفنانة التشكيلية د. منى عليوة تكريسه عبر أعمالها ومسيرتها الفنية وسعيها الدائم إلى استكشاف الجمال في الأشياء من حولها، وحسبما تقول: «أبحث عن قيم جمالية ربما تكون مخفية خلف الحزن أو الشجن، ذلك من خلال وعي كبير وحلول الفراغ». كذلك ترى أن الرسم علاج نفسي، معترفة أن أفضل إنتاجها يأتي في الظروف النفسية الصعبة التي تمرّ بها أحياناً كشأن أي إنسان. وفي معرضها الأخير «ملامح مصرية»، الذي استضافته قاعة «أجيال» في مركز محمود سعيد بالإسكندرية أخيراً، سعت إلى استكشاف الجمال والتداوي النفسي باللوحة. معها اللقاء التالي. في معرضك الأخير «ملامح مصرية» نجد أعمالاً تربط وجه المرأة أو جسدها بالشجرة. ما دلالة ذلك؟ إذا نظرنا إلى معجزة الإنبات سنجدها تبدأ من بذرة زرعت في رحم الأرض المظلم، ثم ظلّ هذا النبات ينمو لينتج كماً مذهلاً من التنوع. مع بداية وجود النبات على الأرض وجدت الحياة، إذ امتصّ ثاني أكسيد الكربون وأعطاها الأوكسجين، لذلك أرى أن أرقى تعبير عن المرأة هو الشجر، فإذا كانت الشجرة هي مانحة الحياة لكوكب الأرض فإن المرأة هي مانحة الحياة للجنس البشري. قدمت المرأة في مستوى معين من الثقافة المصرية بلوحات معرضك حيث لعبت في منطقة مشفوعة بقدر كبير من الرومانسية والشجن. أعلى درجات الوعي ومفهوم الإدارة والتربية موجود في طاقة الأنوثة المفطورة عليها المرأة كإحدى غرائز الإنسان، فنجد الأمومة لا الأبوة ضمن تلك الغرائز، فالمرأة هي المرصد الرئيس لحركة الرومانسية والشجن، ولأن الأخير هو فرط الحساسية والتأثر العميق لدرجة الانفعال، فإن النشاط العاطفي لدى المرأة شديد النضج لأنه إحساس فطري لديها. اللون الأزرق لماذا يغلب اللون الأزرق على كثير من لوحات معرضك؟ يساعد اللون الأزرق على تأكيد الفكرة أحياناً، فحالة الشجن تكون غالباً في نهاية اليوم أو بدايته عند انكسار الشمس عن السماء، لذلك نجد الصوفية والشعراء والفنانين يبدعون في تلك الفترة، والأزرق عموماً لون صوفي يتعامل مع الأفكار المعنوية. ماذا عن لوحة «سيوة» التي استحوذت على جانب كبير من اهتمام المتلقين؟ سلطان بعض المثيرات أقوى من سلطان الفنان. عبقرية المكان جعلتني أذهب إليه وإلى واقعيته وأحترم حضوره، هذا الحضور الملهم الذي منعني أن أضع رأيي كاملاً، وهو أمر لا يحدث إلا مع مثيرات بكر أخشى التعدي على قدسيتها، ومن هنا جاءت الشراكة بيني وبين المكان والمتلقي. ضمّ المعرض أعمالاً من فترة التسعينيات حتى العام الجاري. لماذا لم تقدمي معرضاً بفترة زمنية واحدة؟ في رأيي، يتواصل الفنان مع تجربته سنوات إذا كانت تمسّ وجدانه وكانت صادقة جداً، وربما يتركها ويعود إليها مرة ثانية. الفنان حرّ ولا يجب أن تُقيد حريته فترات زمنية. أنا مشغولة وما زلت بالمرأة والحوار متواصل لا ينقطع حتى لو اتجهت أو تناولت موضوعات أخرى، فدائماً أعود إلى هذا الموضوع بشيء مختلف غالباً لأنه ممتد بالنسبة إلي. بين الموهبة والعمل الأكاديمي تتسم تجربتك بقدر كبير من الاستفادة الأكاديمية. ما رأيك؟ تساهم الأكاديمية في رقي لغة الشكل من وجهة نظري، ومن خلالها يملك الفنان القدرة على الاختزال والتجريد وغيرهما، ويملك طلاقة في التعبير عن المضمون والفكرة، فالحب والضمير والحرية أفكار عقلانية يمكن ترجمتها إلى لغة الشكل حينما يملك الفنان أولاً أدواته. يرى البعض أن البورتريهات التي رسمتها للمرأة في «ملامح مصرية» هي صورة شخصية لك أو ما يُسمى «بورتريهً ذاتياً». ما تعليقك؟ يحدث هذا رغماً عني، ولو قصدته فهو وسيلة وليس غاية. انغماس الفنان في الحالة الإبداعية ومصداقية الأداء يصل به إلى هذا الأمر، فضلاً عن أن الشعور يصل إلى المتلقي، ما يسعدني أيضاً. عموماً، كل فنان تظهر ذاته في عمله. رغم غزارة إنتاجك على مدار سنوات عدة نلاحظ قلة معارضك الفنية. نعم. هو ذنب أرجو أن يُغتفر. عموماً، أعمل كثيراً وإنتاجي غزير فعلاً لأني أحب ذلك، إلا أنني لا أحرص على تسويق نفسي لمجرد الحضور، ولا أسعى إلى عرض أعمالي. أجهل لماذا، إلا أنني فعلاً لا أتوقف عن العمل سواء رسماً أو تصويراً بالخامات المختلفة أو حتى أعمال الحفر وطبعاً الموزاييك. أؤمن بوحدة الفنون وترابطها، وربما يكون ثمة سبب مباشر لقلة معارضي يتمثّل في انشغالي بمهنة التدريس التي أعشقها في كلية الفنون الجميلة، فضلاً عن دراساتي وبحوثي. اتجاه وطقس فني هل تنتمين إلى اتجاه أو مدرسة فنية معينة، وهل تؤمنين بهذه التصنيفات؟ لا أنتمي إلى اتجاه فني محدد. صحيح أنني أستفيد من المدارس كافة وفي النهاية يخرج العمل الفني، وإذا صودف تصنيفه ضمن مدرسة أو كان يشبه فناناً فهذا بالتأكيد في اللاشعور الناتج من ثقافة الفنان البصرية التي تتبلور في داخل الفنان من دون أن يدري. أما الانتماء فهو استعباد لفكر الآخر ويحدّ من حرية الفنان وإبداعه. هل من عادات أو طقوس معينة تمارسينها خلال الرسم؟ ليست طقوساً ولكنها عادات مرتبطة بي. يهمني الهدوء والموسيقى، ولكن ثمة شيء آخر ربما يكون لدى كثير من الفنانين وهو أن أفضل إنتاجي الفني يأتي في أصعب الظروف النفسية التي أمر بها وكأن الرسم هو العلاج أو المهدئ الذي أتناوله، ويرجع الفضل في ذلك إلى أستاذي، رحمة الله عليه، الدكتور حامد صقر الذي كان يرعانا نفسياً قبل أن يكون أستاذاً. كنت طالبة في الفرقة الأولى واعتذرت له بسبب عدم تمكني من الرسم نتيجة لمشاكل أمرّ بها تسببت في سوء مزاجي، حينها طلب مني أن أبدأ بالرسم فوراً وتفريغ طاقتي ومشاعري على سطح العمل، وكان ذلك. إسكات الواقع ترى الفنانة منى عليوة أن اللوحة بالنسبة إليها «هي إسكات الواقع في لحظة كي أحكي أو أوصل الرسالة، ربما يكون أهمها بالنسبة إليّ يتمثّل في استكشاف الجمال في الأشياء وتأكيد القيم الجمالية التي من الممكن أن تكون مخفية خلف الآلم، والحزن أو الشجن». تنتمي منى عليوة إلى جيل التسعينيات الفني في مصر وهي أستاذة في قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، مواليد عام 1969 في محافظة الدقهلية. حازت جوائز عدة، ونفذت جداريات من بينها جدارية في قنصلية الكويت في الإسكندرية وفنون جميلة المنيا، وتصميم مقاعد من الفسيفساء وتنفيذها في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية. كذلك أقامت معارض خاصة عدة، فضلاً عن مشاركتها في فعاليات ومؤتمرات تشكيلية مهمة، من بينها «ملتقى البرلس» في دورته الثانية للرسم على الجدران والمراكب، كذلك رأست وفد «مراسم سيوة» التابع لهيئة قصور الثقافة- معرض «قنال السويس... إشراقة الماضي والحاضر»، في مركز محمود سعيد للمتاحف بالإسكندرية العام الماضي.