سيداتي العربيات السائحات في بلدانهن.. في حيواتهن.. وحتى في أجسادهن: تحية غريبة مني إليكن، أو إلينا، وأما بالنسبة لقرائي من الجنس الآخر، فإنني أرجو ممن يعاني مشاكل القلب التوقف عن القراءة فوراً؛ فإنني لن أقف على الحياد وسأردُّ على نزار القباني عندما سأل امرأةً محايدة: فرغت زجاجات النبيذ فقرري إن كنت من حزب الجحيم صديقتي أو كنت من حزب الرماد وإجابتي واضحة: من حزب الجحيم بلا شك، أوَكان للنساء مثلي سوى الجحيم على كوكبٍ يحسب الذكر أنه متاع له وحده؟ على من أخدع نفسي، وهل يقرأ الرجال للنساء؟! هل يستطيع -طال عمره- أن ينزل عن عرشه قليلاً ليتفقد أحوال الرعية؟ وأما الجاسوس الذي يقرأني ليشتمني بعد ذلك، فأنت بالذات سأشعل هذه المقالة بأعصابك. كون المرء وُلد عربياً فتلك مصيبة لا ريب في أمرها، فكيف حال تلك التي وُلدت عربية؟! ماذا نصنف وضعها من الإعراب، أو من العروبة؟ هي حالة التأزم اللغوي بالتأكيد، وأرتأي باسمنا جميعاً، أنها مشكلة تحتاج سبقاً لغوياً: فلنستحدث كلمةً نجمع فيها حروف العلة فقط، تعبيراً عن أكثر الكائنات المعلولة في الوجود، للضلع الأعوج.. لنا نحن النساء المجنونات والبائسات برفقتهم، المغلوبات على أمرنا من المهد إلى اللحد. بدأوا بدفننا أحياءً، أليس ذلك صحيحاً؟ وكم من الفتيات تحلَّلن في باطن الأرض التي تقفون عليها وتأكلون من طيباتها! وكم من الجزع والخوف يوجد في أمعائهم المليئة بنا! سيخبرونكم بأن ذلك حدث قديماً جداً، وأنني أفتعل فتناً جنسية لا لزوم لها، فهم يأخذونني بحرفية... فمن عادات الرجال السرية أن يأخذوا ظواهر الأمور، ومن عاداتهم أيضاً مواجهة كل اتهام أنثوي باتهام مقابل، أو حتى بلا ردٍّ إطلاقاً، فأحياناً يأخذنا الرجال على قدر عقولنا نحن الكائنات الدقيقة؛ وذلك لشدة حنانهم وعطفهم، فكما تعرفون هم جنس الله المختار على الكرة الأرضية، والتي هي أنثى بدورها أيضاً، وأبشركم فهي أيضاً تندب حظها مثلنا مثلها.. وكما الناس يتآخون بالرضاعة، هي أختنا بالرجال. عموماً، دعونا نقفز في التاريخ قفزةً أخرى، أتعرفون أن الرجل الأسود في أميركا استطاع التصويت قبل استطاعة المرأة البيضاء فعل ذلك؟ هو الرجل الأسود ذاته الذي لخص جورج برنارد شو وضعه عندما قال:إن الأميركي الأبيض يهبط بالزنجي إلى مستوى ماسح الأحذية؛ ليستنتج من ذلك أن الزنجي ليس صالحاً سوى لمسح الأحذية. وإن عنى ذلك -سيداتي- أي شيء، فهو أنكن لو مسحتنَّ أحذية رجالكم كل صباح فقد تنعمن بحقوقٍ أكثر، والعلم عند الله! ولو حاولنا التمعن في ذلك شأن التصويت، لأدركنا أنهم يستطيعون أن يضعوا خلافاتهم على جنب عندما يتعلق الأمر بنا، فهم يفكرون عنا ويقررون عنا؛ حتى لا نضطر -نحن الكائنات الجميلة- إلى التفكير في شيءٍ خارج نطاق صلاحيتنا، والعياذ بالله! غريب هو ذلك، عندما استطاع الرجل الأسود الوقوف جنباً إلى جنبٍ مع من استعبده وأباده، وبدأ بدوره هو الآخر بالاستعباد والإبادة.. استطاعوا التصويت على جثة الديمقراطية، وأما نحن فكان من واجبنا كزوجاتٍ مطيعات أن نصفق لحسن أدائهم...كما نفعل دوماً، وحتى عندما يخطئون، فالرجل غير قادرٍ على احتمال هزائمه وعليك أنتِ أن تشعريه بأن أبسط انتصاراته عظيمة؛ حتى لا يرتكن إلى فشله الذريع.. حتى يحاول مرةً أخرى! وأيضاً، موضوع التصويت هذا يذكرني بنصين، ما زلت لم أتعافَ منهما بشكلٍ كامل، واللذان يبدوان منطقيين، ويتموضعان هنا بالذات. أولاً: العملاقة الوجودية سيمون دي بفوار والتي قالت في كتابها (الجنس الآخر): إن نضال المرأة لم يكن قط إلا نضالاً رمزياً، ولم تفز إلا بما أراد الرجل التنازل عنه. لم تأخذ شيئاً أبداً؛ بل تسلمت ما أعطي لها. لا أعرف لماذا؟! ولكن منظر النساء يصفقن في يوم التصويت ذلك لا يغادر مخيلتي، مثل الدول المراقبة في الأمم المتحدة، ليس لنا صوت، ولكن لنا صورة، مع أسيادنا أولئك الذين يحكمون العالم نيابةً عنا. وثانياً: الثوري غسان الكنفاني الذي هبَّ قائلاً: يسرقون رغيفك، ثم يعطونك منه كسرة، ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم.. يا لوقاحتهم! فعلاً! لا أجد غير "الوقاحة" كلمة مناسبة في هذا السياق، ومع أن المعتدي يختلف، إلا أن الظلم واحد، فالقاتل واحد سيداتي، ولتحذرن من في الحالتين هي الضحية؟ نحن طبعاً! وذلك من كرمهم أن يدعونا لنشارك كجزءٍ من لعبتهم، على أن نتفرغ للمشاهدة... صفقن، سيداتي، صفقن... قبل أن يغيروا رأيهم! وعلى سيرة المشاركة، حدث للأسف أنني احتجت لمتابعة شيء تافه؛ حتى أكسر الجدية التي يزرعها الطب في حياة الأطباء كعادته. فوقعت تحت يدي مقابلة صحفية مع مغنٍّ اشتُهر حديثاً، كان شاباً لم يكمل تعليمه، سائق تاكسي ببدلةٍ تساوي بضعة آلاف، تذكرت حينها مقولة: تكلم حتى أراك! وللأسف لم أره، فحين سألته مقدمة البرنامج ما إن كان سيسمح لأخته بالغناء، كانت إجابته على طرف لسانه: لا... طبعاً. علماؤنا يموتون؛ بل يتعفنون في فقرهم، بغرفٍ لا تتسع لعقولهم، وهؤلاء يسرحون ويمرحون بثياب الإمبراطور... دول العالم المليون! ومن يومها وأنا أتحسس من كلمة "طبعاً"، وأحاول قدر المستطاع أن أروِّضها بقولها، فهو لم يقتل قاتله وحسب؛ بل مشى ذلك الكلب في جنازته أيضاً... وبكى! حتى إن الميت من غضبه كاد يعود للحياة؛ فقط حتى يبصق في وجهه ليبرحه ضرباً لابن الزنا، ليبرحه ضرباً! سمعت منذ مدة أن طبيباً أجبر زوجته على إجراء عملية لتكبير صدرها؛ حتى تحبه أكثر لربما! وبدأتُ تخيُّل وجهها مكباً، أتخيلها مصروعةً... أتخيلها سائحة! أمي -أطال الله عمرها- في عيد المرأة كانت مشغولةً جداً بالقيام بمهامها اليومية وتقسيم جهدها بين العيادة والمنزل، حتى إنها لم تدرك ما كان ذلك اليوم يصادف، حتى انتهائه، فنحن النساء لم نعتد تهويلاً لأدوارنا، وكنا دائماً ما نؤديها صامتات. ومن ها هنا، أرسل تحيةً لوالدتي الدكتورة إيمان القواسمي المناضلة، والتي كانت مشغولةً جداً بتعليمي كيف أقاتل في سبيل ما أريد، حتى تعلمني الطهو. أمي أعدك أن أقف على ناصية الحلم وأن أقاتل! طبعاً! الآن أعرف ماذا يتوشوشون... أنا أكبِّر الأمور. أنصحهم بمتابعة صفحة الفيسبوك للروائية غادة عبد العال، والتي تشارك عادةً رسائل النساء بخصوص قضايا مجتمعية مثل الختان والتحرش؛ بل وأتحداهم أن يفعلوا ذلك أيضاً. كمية لا بأس بها من القرف الحقيقي، والواقعي جداً والذي بالطبع ليس وليد عقلي! حتى وصل الأمر لتحرش رجال ببناتهن... بناتهن... بناتهن! لا تحاولوا حتى البدء بسيمفونية هذا الذئب الحائد عن القطيع، أرجوكم اخلعوا تعاليكم للحظة وارتدوا حيواتنا المريضة بكم! وفي نهاية المطاف، جسدي أنا هو الذي يُحدث الفساد في المجتمع، وجسدي أنا من يدفعه إلى الزنا وكأنه يحتاج لدفعٍ أصلاً! وحتى في عملية التزاوج البيولوجية، المرأة تقوم بالعمل الصعب المؤلم، وأتساءل لو كان الأمر معكوساً ولو كان الرجل هو المضطر بيولوجياً إلى فترة الحمل، فمتى كنا نحن الجنس البشري سننقرض؟ وقد وصلنا لنقطة الصفر سيداتي، عليّ توديعكنّ برسالة صغيرة، كنت قد كتبتها لأختيميرا: حبيبتي، أنا تمثال حرية، وأنت ستكونين تمثالاً للحرية أيضاً، سيُقنعونكِ بأنك حرة، سيحشونك بحريتك الوهمية... لا تصدقيهم! أذكياء جداً، فطالما لا تعرفين أنك في سجن فلِم تحاولين الخروج؟ لماذا تبحثين عن الشيء الحقيقي، إذا ظننت أنك تمتلكينه؟ فليذهبوا للجحيم حبيبتي... طبعاً ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.