هل أنت موظف عادي؟ أما زلت تمارس ذات المهام التي قرأتها في إعلان الوظيفة حين تقدمت إليها أول مرة؟ ألم يعرض عليك مديرك دوراً آخر يحمل تحدياً جديداً أو بُعداً استراتيجياً؟ هل بادرت ذات مرة إلى تقديم المعونة أو المشورة في مشكلة تقع خارج إطار مسؤولياتك التقليدية؟ إذا لم تسأل نفسك هذه الأسئلة من قبل، فقد آن الأوان لذلك، وإذا كانت إجاباتك تدل على أنك تراوح مكانك ولا تكاد تبرحه، فأنت في خطر داهم، وعليك بتدارك نفسك قبل فوات الأوان. فعالم اليوم لم يعد يعبأ بأولئك الذين يتوقفون عند إنجاز مهامهم الروتينية التي أسندت إليهم ساعة انضمامهم إلى فريق العمل في الشركة، فالتحديات لا حدود لها، وهي في تكاثر وتغير سريع ومستمر، ومواكبة هذه التحديات تستدعي فريقاً ناشطاًً دائم التجدد في معارفه، رشيق التنقل في حركته، آخذاً بزمام المبادرة نحو كل جديد. أما إذا كنت من أصحاب الهمم العالية ممن يتحيّنون الفرص لبذل المزيد وإثبات الجدارة وتوسيع دائرة القدرات الشخصية، فهذا المقال موجَّه إليك وإلى أمثالك. وغالب الظن أنك في معركة لا تتوقف مع الزمن، وجدول أولوياتك يكاد يصارع نفسه من كثرة الداخلين إليه والخارجين منه، وقد تمضي بك الأيام وأنت تغفل أو تؤجل عملاً بالغ الأهمية لك ولمستقبلك، ألا وهو: تسجيل إنجازاتك المهنية وإسهاماتك المتميزة في كل مكان عملت فيه. ولا عجب في عصر يعجز الناس فيه عن تركيز تفكيرهم لبضع ثوانٍ أن تُنسى تفاصيل بالغة الأهمية حول تلك المبادرة التي قمتَ بها لإصلاح سير العمل في القسم الذي تعمل فيه، أو ذلك المشروع الضخم الذي أسنده إليك مديرك قبل أن يأخذ إجازته السنوية الطويلة. أما ميعاد استدعاء تلك التفاصيل من خبايا الذاكرة أو ملفات الحاسوب أو حتى الشبكة (الإنترنت) فلا أحسبك -عزيزي القارئ- تجهله. فقد يساورك الملل في منصب شغلته سنوات مديدة وما عدت تجد ذاتك فيه، وقد يحصل تشاحن بينك وبين مديرك في العمل ترى بعده أن بقاءك صار عبئاً عليك لا تطيق احتماله، وقد تأتيك فرصة سانحة في مكان آخر عبر صديق مقرب ولا تجد بُداً من اغتنامها، فالفرص تأتي على غير ميعاد، لكن لا يفوز بها إلا مَن سارع إلى الاستعداد. ولا شك أن إضافة بند جديد إلى جدول أعمالك قد يثير بعض الحساسية لديك، لكني سأحرص على جعل الالتزام به بالغ السهولة بما يكفل ضمان تنفيذه وتحقيقك لما فيه مصلحتك على المدى البعيد. تتلخص فكرة "سِجِل الإنجازات" في تكوين "منجم استراتيجي لتسويق الذات" تستقي منه ما تريد حين تنطلق في كتابة سيرتك الذاتية أو تعديلها بحسب المنصب الذي تتقدم إليه أو الشركة التي ترغب في العمل لديها. واقتراحي في هذا السياق يعتمد على إنشاء مستند بسيط (بصيغة وورد أو إكسل) يبقى ظاهراً أمامك على شاشة سطح المكتب في مكان واحد لا يتغير بحيث يسهل الوصول إليه في أي وقت، يحتوي هذا المستند على جدول يضم المناحي الأساسية لإنجازاتك المحتملة في العمل في الصفوف الأفقية -وهي تختلف بحسب كل منصب بطبيعة الحال- التي من الممكن أن تضم: توفير النفقات، وتقصير دورة العمل، وتحسين نوعية الخدمات، وتطوير مهارات الموظفين.. إلى آخر ما قد يخطر ببالك من أنواع. أما في القوائم الرأسية فسيكون لدينا: عنوان الإنجاز، وتاريخ الإنجاز، ومكان الإنجاز، وتفاصيل الإنجاز، وأسماء الأشخاص المشاركين في هذا الإنجاز (بهدف الرجوع إليهم حول التفاصيل أو توصيتهم بذكر إنجازك حين يثنون عليك في صفحة "اللينكد إن"). وبعد إنشاء الملف ووضعه في المكان المناسب، ما عليك إلا أن تتمرّن (وهو ليس بالأمر السهل) وأنت تؤدي عملك على التيقظ لكل ما تفعله، وأن تطرح على نفسك بعض الأسئلة عند تسلّم كل مهمة جديدة وعند الانتهاء منها: * هل فيما سوف أقوم به الآن تحد من نوع جديد؟ * هل تقع هذه المهمة خارج مسؤولياتي المعتادة؟ * هل كان لما قمت به وقع إيجابي كبير على سير العمل (من خلال كلام المدير أو ملاحظتك الشخصية)؟ * هل استفاد أقراني في العمل مما فعلته (عبر تصريحهم الشخصي أو رسالة شكر من المدير)؟ فإذا كانت الإجابة نعم على أي من هذه الأسئلة فبادر إلى فتح المستند لتسجيل كل ما يتوافر من معلومات بشرط أن تنتهي من تدوينها في مدة لا تزيد عن خمس دقائق. وإذا احتجت إلى أكثر من ذلك فلديك أحد خيارين: إما أن تكمل ما بدأته خارج ساعات الدوام وتأخذ ما شئت من وقت في الكتابة، أو تعطي نفسك خمس دقائق أخرى في اليوم التالي ولا تعدوها، ومما يساعدك في ذلك تخصيص موعد أسبوعي وساعة محددة في اليوم (مثلاً، الثلاثاء، الساعة السابعة صباحاً قبل بدء العمل)، لمراجعة سجل الإنجازات وإكمال ما نقص منه وزيادة الابتكار فيه. ومع مرور الوقت ستجد أنك امتلكت مستنداً لا يقدر بثمن، تعود إليه كلما لاحت فرصة في الأفق فيغنيك بما تقتبسه لإثبات جدارتك، أو قد تفتحه حين تصاب بإحباط أو فشل فيخرجك مما أنت فيه من حزن، وقد يتحول إلى مصدر إلهام لديك حين تصل بين جوانب إنجازاتك المختلفة فتكتشف شغفك الحقيقي في الحياة ومَواطن قوتك ومصدر سعادتك في عملك بما يفتح عليك آفاقاً جديدة في العثور على ما تحب القيام به فيما تبقَّى من أيام عمرك. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.