تطفأ مساء اليوم أنوار قصر الأمم في جنيف في آخر أيام المحادثات السورية - السورية غير المباشرة، وسط غياب لأي إنجاز ملموس بعد عشرة أيام من المحاولات التي قام بها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. ووفق ما هو معروف، لم توفر مشاركة ودعم نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف جديدا يذكر رغم مساعيه الهادفة إلى دفع وفد النظام السوري برئاسة السفير بشار الجعفري، إلى قبول التفاوض بشأن الملفات «أو السلال» الأربع بعد أن كان يحصر مداخلاته في موضوع محاربة الإرهاب. هذا في الوقت الذي تحدثت فيه مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط» عن ضغوط روسية لعقد جنيف المقبل بداية مايو (أيار)، بوجود فارق شهر على انتهاء جنيف 5. كذلك استفاد دي ميستورا من وصول المسؤول الأميركي عن الملف السوري مايكل راتني، الذي حط في مطار جنيف فجر الأربعاء بعد أن دارت كثير من الأسئلة حول أسباب غيابه غير المألوف عن المدينة السويسرية. وبادر راتني، الذي يتقن العربية وسبق أن كلفه الرئيس باراك أوباما بمهمة متابعة الملف السوري وأبقاه الرئيس الجديد في موقعه مع تكليفه كذلك بملف «بلدان المشرق»، إلى سلسلة من اللقاءات مع المعارضة السورية ومع نظرائه في مجموعة الدعم لسوريا. في سياق متصل، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع في جنيف، أن غاتيلوف أبلغ وفد المعارضة السورية وكذلك المبعوث الدولي الذي التقاه في ثاني يوم من وصوله إلى جنيف، بأن موسكو تريد أن تستأنف محادثات جنيف مباشرة عقب اجتماع آستانة المقرر في 4 و5 مايو المقبل، ما يعني أن أكثر من شهر سيمر بين نهاية جنيف 5 والانتقال إلى جنيف 6. وبحسب المصادر المشار إليها، فإن الطرف الروسي اتخذ هذا القرار من غير التشاور مع دي ميستورا أو مع الأطراف الأخرى، وهو ما سبق أن لجأ إليه في المرة الماضية، عندما أعلن من جنيف نفسها أن الجولة الجديدة ستعقد في 20 مارس (آذار) ما دفع المبعوث الخاص وقتها إلى الاحتماء بعباءة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بقوله إن الموعد الجديد لن يحدد قبل التشاور معه. وفي المحصلة، انطلقت جنيف 5 في 23 من الشهر الحالي المنتهي. بيد أن اختيار الطرف الروسي مطلع مايو، لاستئناف المحادثات لا يرضي المعارضة ولا الأطراف الداعمة لها التي «لا تفهم» مغزى التأخير باعتبار ألا أحد يستطيع «ضمان» ما يمكن أن يحصل ميدانيا خلال فترة تزيد على الشهر. وقد سبق لهذه الأطراف أن انتقدت خيارات دي ميستورا، التي هي في الواقع خيارات موسكو الممسكة بالملف السوري من ناصيتيه العسكرية والدبلوماسية. وبموازاة هذا الجانب، علم في مقر الأمم المتحدة في جنيف أن المحادثات ستنتهي مساء اليوم بمؤتمر صحافي للمبعوث الدولي الذي صام أمس عن الكلام، كأول من أمس. كذلك فعل رئيس وفد النظام السوري لليوم التالي ووفد منصة القاهرة ووفد الهيئة العليا، بينما تحدث وفد منصة موسكو إلى الصحافة لأقل من دقيقتين. لكن الأهم أن بشار الجعفري لم يتحدث إلى الصحافة إلا مرة واحدة خلال تسعة أيام من المحادثات. واكتفى أمس بإرسال بيان مختصر للصحافة تغلب عليه اللهجة التبريرية، إذ جاء فيه أن الجلسة ما قبل الأخيرة من محادثات جنيف «أمس» «شهدت إجابة الفريق الأممي على بعض الأسئلة والاستفسارات التي طرحها الوفد السوري والتطرق إلى عنوان السلة الثالثة (الانتخابات) ليكون بذلك قد تم التطرق إلى السلال الأربع». ورجحت أوساط المعارضة أن يكون البيان نوعا من «علم وخبر» للمبعوث الروسي وردا على اتهامات وفد المعارضة الذي دأب على ترداد أن الجعفري يرفض تناول الملفات المتفق عليها باستثناء ملف الإرهاب، وهو ما شكا منه وفد المعارضة لغاتيلوف. وكان الأخير قد التقى على انفراد «الجناح» العسكري في وفد الهيئة العليا لبحث الجوانب المتعلقة بانتهاكات وقف الأعمال القتالية. وشدد الوفد على الحاجة لاحترام بنوده، خصوصا أن العسكريين في المعارضة قاطعوا آستانة 3 وليس من المؤكد أنهم سيشاركون في الاجتماع التقني المقرر في طهران في 17 أبريل (نيسان) أو في آستانة 4 إذا استمرت الأوضاع الميدانية على حالها. في أي حال، فإن الأوساط الدبلوماسية وكذلك المعارضة السورية - «انظر في مكان آخر حديث نصر الحريري» - كانت أكثر اهتماما، أمس، بما جرى في اجتماعات وزير الخارجية الأميركي، في زيارته الأولى إلى الشرق الأوسط ولقائه المسؤولين الأتراك، وذلك على خلفية قرار أنقرة «وضع حد» لعملية «درع الفرات» العسكرية التي أطلقتها قبل ستة أشهر ونصف. وأشارت هذه الأوساط إلى أن ما يتم السعي وراءه اليوم «ليس إيجاد حل في سوريا وإنما الإبقاء على المحادثات بانتظار أن تحسم بعض الأمور ومنها نتائج المعارك في الشمال السوري، والتعرف على القرارات الأميركية وما إذا كان الرئيس ترمب (سيطلق مبادرة ما) بشأن سوريا». وهكذا، فإن جنيف 5 ينتهي من حيث بدأ، فلا نتائج يمكن البناء عليها لجنيف 6 ولا مفاوضات مباشرة بين الطرفين السوريين: النظام والمعارضة. كما أن المبعوث الخاص لم ينجح في النهج الذي اختطه في حمل الطرفين على «التحاور» بالواسطة، حيث استمر كل طرف في الغناء على ليلاه بانتظار «كلمة سر» هي الوحيدة التي ستحدث اختراقا في جدار الأزمة السورية.