فوضى لدى السلطات في ألمانيا وعراقيل بيروقراطية من الجانب التونسي أسفرتا عن الحيلولة دون ترحيل العمري بشكل سريع من ألمانيا. وأوضح بوركهارد شنيدر، مدير قسم شؤون الأجانب بوزارة الداخلية المحلية لولاية شمال الراين- فيستفاليا، بصفته شاهدا أمام لجنة التحقيق الخاصة بقضية العمري بالبرلمان المحلي للولاية، أن تونس مثلا لم تطلب فقط بصمات الأصابع ولكنها طلبت بصمات الأصابع الأصلية التي تم إرسالها عن طريق البريد. واتهم رالف ييغر، وزير داخلية مقاطعة نوردراين وستفالن غرب ألمانيا في 21 ديسمبر الماضي، تونس بتأخير الترحيل بعد رفض طلبه للجوء في ألمانيا في يونيو الماضي نتيجة تأكيدها لفترة طويلة أنه ليس تونسيا. وقال رالف ييغر إن المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين رفض طلب العمري للجوء في يونيو الماضي، غير أنه تعذّر ترحيله لأنه لم يكن يحمل وثائق هويّة نظامية. وصرح ييغر أنهم بدأوا إجراءات لاستصدار وثيقة بمثابة جواز سفر تونسي للعمري في أغسطس الماضي لإعادته إلى بلده، لكن تونس نفت أن يكون أحد رعاياها ولم تصدر الوثائق اللازمة لفترة طويلة. واتهمت ألمانيا في العديد من المناسبات تونس وغيرها من بلدان شمال أفريقيا بتعطيل الآليات الألمانية لترحيل رعاياها، فعندما يتقرر ترحيل طالب لجوء من بلد في هذه المنطقة يرفض الأخير استعادته إن لم يحمل وثائق هوية وطنية قانونية. ويكفي طالب اللجوء المرفوض أن يتلف أوراقه الثبوتية لعرقلة الآلية رغم الاتفاقات حول إعادة الاستقبال. وأكد رضوان عيارة، كاتب الدولة لدى وزير الخارجية المكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج، أن الأخبار الرائجة حول تقصير تونس في ترحيل العمري من ألمانيا لا أساس لها من الصحة. وقال عيارة إن القنصلية الألمانية كانت قد قدمت في وقت سابق مطلبا للبحث عن هوية أخرى، مفيدا أن هوية الشخص الذي قدمته في مرحلة أولى لا يحمل الجنسية التونسية. وصرح عيارة أن ألمانيا قد قدمت يوم 17 ديسمبر 2016 بعد تحريات قامت بها اللوحة البصمية لأنيس العمري المشتبه في تورطه في هجوم برلين، مشيرا إلى أن السلطات التونسية مدّت آنذاك ألمانيا بالمعطيات اللازمة حول هذا الشخص. وبيّن أن عدم ترحيل المتورط في هجوم برلين أنيس العمري جاء على خلفية عدم قبول أي بلد بترحيل أي متورط أو في وضعية غير قانونية إلا بعد التأكد من جنسيته. كما أوضح أن تونس قررت ترحيله بعد ثبوت البصمات في نفس اليوم الذي تم فيه تنفيذ هجوم برلين 19 ديسمبر 2016. وأضاف شنيدر أن الوثائق المتعلقة بالعمري تم تناقلها بين هيئات عديدة، لافتا إلى أنه لم يكن متوفرا مخزون بيانات أساسي كان يمكن لأجهزة أمنية وهيئات شؤون الأجانب وكذلك المكتب الاتحادي للهجرة وشؤون اللاجئين الوصول إليه بشكل مشترك، قائلا “فقط كانت هناك عوالم منفصلة”. وتابع أن هيئات أمنية ألمانية فحصت أكثر من مرة ما إذا كان ممكنا طلب احتجاز العمري أم لا، ولكن المتطلبات القانونية والأدلة المادية لم تكن متوافرة وفقا لتقييم الوضع حينها. ويذكر أن العمري، الذي كان مصنّفا على أنه مصدر خطر على الأمن وتم رفض طلب لجوئه، قام بهجوم دهس بشاحنة في أحد أسواق أعياد الميلاد وسط العاصمة الألمانية برلين يوم 19 ديسمبر الماضي، ما أودى بحياة 12 شخصا على الأقل وإصابة 50 تقريبا. ومن شأن لجنة التحقيق البرلمانية أن تفحص أوجه التقصير المحتملة لدى أجهزة أمنية. ولكن توماس دي ميزير، وزير الداخلية الاتحادي، كان قد صرح الثلاثاء أمام اللجنة بأن اعتقال العمري قبل تنفيذ الهجوم في شهر ديسمبر الماضي كان ممكنا. وقال دي ميزير، بصفته شاهدا أمام لجنة التحقيق، إنه كان ممكنا إصدار أمر اعتقال في نهاية شهر أكتوبر الماضي كحد أقصى بعدما أكدت تونس هوية العمري، ولكنه استدرك قائلا “إلا أنه لم تتم حتى محاولة ذلك”. وكانت صحيفة “بيلد أم زونتاج” الألمانية الأسبوعية قد كشفت في عددها الصادر الأحد الماضي، أن المكتب المحلي لمكافحة الجرائم بولاية شمال الراين-فيستفاليا الألمانية حذر بالفعل وزارة الداخلية المحلية بالولاية في شهر مارس عام 2016 من احتمالية قيام العمري بالتخطيط لهجوم. وقالت الصحيفة إن شرطة شمال الراين- فيستفاليا أرسلت تحذيرا مكتوبا إلى وزير داخلية الولاية رالف ييغر يفيد بأن العمري “يخطط لهجوم انتحاري” دون تحديد طبيعته أو موقعه. وذكرت الشرطة أنها تملك أدلة قوية على تخطيط العامري لهجوم، واستندت إلى عدة أمور من بينها محادثات الشاب التونسي الخاصة على تطبيق الهاتف “تليغرام” التي أشار فيها إلى نيته تنفيذ هجوم. وطالبت الشرطة في تحذيرها بسرعة ترحيل العمري إلى بلاده، لكن وزارة الداخلية رأت آنذاك أن ترحيله غير واجب النفاذ قانونا.