وصلت النوبة الحالية من الإرهاب العالمي إلى قلب لندن اخيرا، في هجوم قاتل خارج قصر ويستمنستر، الأمر الذي بدا رمزية لا يمكن أن تغيب على أحد، فحدوث هجوم إرهابي على بيت الديمقراطية ينجم عنه حدوث شعور غريب بالغضب، إذ قتل عدد من الأشخاص، بمن فيهم شرطي، في هذا الهجوم التراجيدي. وحتى الآن لا شيء معروفاً عن الدافع وراء هذا الهجوم. وكل ما يمكن قوله إن المهاجم فشل في الدخول إلى البرلمان نفسه. وقتل عدد من المشاة وجرح بعضهم، لكن الحالة الأمنية القوية التي تكون موجودة عند مثل هذه المؤسسات الحكومية كانت فعالة في حماية من يقطنها. ولا يمكن التوصل إلى حالة أمنية مطلقة في مدينة عصرية ومزدحمة، لكن الشرطة يمكن تقول إنها خضعت لامتحان ونجحت. وكان لابد من أن يخضع البرلمان إلى هذا الاختبار بالنظر إلى هيبته ورمزيته. وبالطبع فإن الهدف الأول لمثل هذا الحوادث هو القتل والتخريب، لكن الفاعل لم يكن يصبو إلى تخريب جدار أو قتل شخص وإصابة آخر. وعلينا أن نفترض أنه ستكون هناك دعاية واسعة لفعلته، وربما كان يهدف أيضاً إلى نشر الخوف، أو لاختبار متانة الديمقراطية، أو جعلها تغير سلوكها إن أمكن ذلك. • لا يمكن التوصل إلى حالة أمنية مطلقة في مدينة عصرية ومزدحمة، لكن الشرطة يمكن أن تقول إنها خضعت لامتحان ونجحت. منطقة الهجوم يعتبر الهجوم الذي استهدف مبنى البرلمان البريطاني ومحيطه في وسط لندن، الأول من نوعه في تاريخ البلاد، كما أنه يختلف تماماً من حيث الشكل والتفاصيل عن الهجمات الإرهابية التي استهدفت المدن الأوروبية الرئيسة، خلال الشهور الماضية. ويمكن القول إن المنطقة التي استهدفها الهجوم هي قلب العاصمة البريطانية لندن، حيث يقع فيها مبنى البرلمان التاريخي الذي أعيد بناؤه بشكله الحالي في عام 1835، إضافة إلى برج ساعة «بيغ بن» الشهيرة الملاصقة للمبنى، فضلاً عن المنطقة التي يوجد فيها العديد من المواقع الحيوية، حيث تضم أيضاً، على بعد أمتار قليلة من مبنى البرلمان، مكتب رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، في شارع «داوننغ ستريت». وعلى بعد مئات الأمتار فقط من مبنى البرلمان البريطاني يوجد قصر باكنغهام، وهو قصر ملكة بريطانيا التاريخي الذي يعود بناؤه إلى القرن الـ11 الميلادي، وهو مفتوح أمام السياح والزوار في أوقات محدودة من السنة، ورغم ذلك فإن ملايين الزوار يقصدونه سنوياً من كل أنحاء العالم. كما يقع بالقرب من مبنى البرلمان وزارة الدفاع ووزارة الخارجية، وعلى مقربة منهما ساحة الطرف الأغر، الميدان الأشهر في لندن، التي تشهد سنوياً احتفالات الجالية المسلمة بعيدَي الفطر والأضحى. وأكد العديد من التقارير ووسائل الإعلام المحلية في بريطانيا أن الهجوم الذي استهدف مبنى البرلمان والمارة على جسر ويستمنستر الشهير، وقع في الوقت الذي كان المكان مكتظاً بالمارة، وأغلبهم من السياح والزوار الذين يقصدون بريطانيا. عن «العربية نت» ولا ينبغي أن يكون الرد على هذا النوع من الحوادث مبالغاً فيه. وفي الأسبوع الجاري نشهد الذكرى السنوية لارتكاب تنظيم «داعش» لعمل إجرامي في مطار بروكسل راح ضحيته 32 شخصاً. وجاء ذلك بعد هجوم مماثل في باريس. وكان الرد على هذه الحوادث مبالغاً فيه جداً، إذ إن وسائل الإعلام الأوروبية والسياسيين أصيبوا بحالة من الهستيريا. وكان مراسلو الـ«بي بي سي» في المكان يواصلون تكرار كلمات مثل الرعب والتهديد والخطر في كل ساعة. وقال رئيس الجمهورية الفرنسية، فرانسوا هولاند «كل أوروبا تعرضت للهجوم»، وأعلن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أن «المملكة المتحدة تواجه تهديدات إرهابية». وبالطبع فإن الإرهابي سيكون بلا حول ولا قوة من دون مساعدة الإعلام والأشخاص الذين يغذون هذه الوسائل بالكلمات والأفعال. وكان الأكاديمي البريطاني، ريتشارد انكلش، قد تحدث في دليل فكري يحمل عنوان «كيف ترد»، مشيراً إلى أن ما يدعونه «تهديد للديمقراطية»، وهو الفكرة التي يحب السياسيين الحديث عنها، لا تكمن في أي سفك للدماء أو الخراب، بل إن الخطر الحقيقي يكمن «في التحريض على رد غير محسوب ومبالغ فيه، وينعكس سلباً على الدولة». وعلينا أن نتذكر كيف استغلت وزيرة الداخلية، في حينه، تيريزا ماي، هجمات باريس وبروكسل كي تدافع عن اقتراحها الذي أصبح قانوناً، والذي يتعلق بمراقبة الاتصالات. ويعد هذا القانون أكثر انتهاكا للخصوصية في أي دولة أخرى بالعالم الغربي. وفي تلك الفترة اندفعت الحكومة البريطانية لتطبيق استراتيجية الحماية، حيث طالبت كل مؤسسة تعليمية بأن تثبت أن لديها برامج «لمواجهة التطرف غير العنيف، وهو الأمر الذي من شأنه أن يخلق بيئة خصبة للإرهاب». وللرد على هذه الحوادث بصورة منطقية، علينا أن نتذكر أن ثمة مبالغ ضخمة جداً من المال مخصصة لمكافحة الإرهاب. وهذا الوقت غير مناسب للحديث عن أن كل هذه الأموال غير متناسبة مع تلك الحوادث، بيد أن هذا الحديث مرشح لأن يواجه تهمة أنه يخدم هدف الإرهابيين. وكل شخص له علاقة بهذه الحوادث له مصلحة بصورة ما فيها، بدءاً من السياسيين والشرطة والجماعات الأمنية. وتظهر ندرة الحوادث الإرهابية في الدول الشمولية التي تقوم بمراقبة الأخبار، الدور الحاسم للإعلام في عمل الإرهاب. وهذا لا يبرر منع مثل هذه الأخبار في المجتمعات الحرة. وفي العام الماضي، عندما قررت الصحيفة الفرنسية «لوموند» عدم نشر أسماء المسؤولين عن القتل الإرهابي، حيث إنها ساعدت على جعلهم شهداء، تلقت انتقادات واسعة على ذلك.