صحيفة وصف : عبد الحميد العمرييمكن القول بعد رحلة غوص في أعماق خطط وبرامج تحول الاقتصاد الوطني، استغرقتها المقالات الأخيرة، على الأهمية القصوى للأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الأولويات والمحاذير المرتبطة بتلك الخطط والبرامج. أنتجتها دراسة التغيرات التي ستطرأ على المكونات الثلاث الرئيسة له “الحكومة، القطاع الخاص، المجتمع”، والآثار المحتملة في كل مكون منها، وفقا لما ستتحمله أو تحصله تلك المكونات الرئيسة على مستوى العوائد والأعباء والتكاليف المالية اللازمة لإتمام برامج التحول الهيكلي المستهدف، بهدف تحقيق أعلى معدل للعوائد المستهدفة من التحول، سواء على المستوى الجزئي بالنسبة لكل مكون، أو على مستوى الاقتصاد الكلي، مقابل أدنى معدل ممكن من الأعباء والتكاليف المحتملة للمستويات الجزئية أو الكلية ذاتها.تبلورت تلك النتائج فيما يلي. النتيجة الأولى: تتعلق بالقطاع الخاص، الذي ينقسم إلى قسمين، القسم الأول منه الممثل في الجزء المنتج والمشغل، والقسم الثاني ممثلا في الجزء المكتنز والمالك للأصول التي من أثقلها وزنا الأراضي والعقارات.أظهرت نتيجة المقارنة بين الأعباء المالية التي سيتحملها كل قسم منهما، أن القسم المنتج والمشغل سيتحمل العبء الأكبر من التكاليف، مقابل تكاليف لا تكاد تذكر سيتحملها القسم الآخر الخامل اقتصاديا وغير المنتج. إنها النتيجة الوخيمة التي لا تتوافق مطلقا مع كثير من المعطيات أو الأهداف المرسومة للبرامج، ذلك أن القسم الأول (المنتج والمشغل)، يعول عليه القيام بتوطيد الاستقرار الاقتصادي، واقتناص فرص الاستثمار المحلية وتوظيف الثروات الوطنية فيها، والعمل على تنويع قاعدة الإنتاج المحلية، والعمل على إيجاد مئات الآلاف سنويا من فرص العمل المجدية أمام المواطنين والمواطنات، وكل هذه المهام الجسيمة مؤداها الإيجابي النهائي سينعكس بقيمته المضافة على الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، إلا أنه سيواجه وفقا لما تم استخلاصه؛ كثيرا من الأعباء والتكاليف التي يجب عليه تجاوزها، وتكمن الخطورة هنا أنه في حال لم يستطع تحقيق ذلك، أو تأخر عنها في أفضل الحالات، أن الاقتصاد الوطني سيحرم تماما من جني تلك المكتسبات والفوائد المرتقبة.في المقابل؛ تأكد أن القسم الثاني ممثلا في مكتنزي ومحتكري الأراضي والعقارات، الضعف الشديد في عدم اعتراض طريق ممارسات الاستحواذ على مساحات شاسعة من الأراضي لعدة عقود من الزمن، سوى نسبة 2.5 في المائة الرسم السنوي على امتلاك تلك الأراضي، التي اتخذ تحصيلها طرقا متشعبة ومتدرجة واستثناءات لا حصر لها، رغم أن هذا القسم لا ينتظر من استمرار اكتنازه تلك الأصول من أراض وعقارات، أن يوفر حتى فرصة عمل واحدة، أو أن يضيف أية قيمة مضافة على الأداء الاقتصادي، وأن المنتظر منه وفق هذه الحالة، التسبب في الإبقاء أو المساهمة في ارتفاع أسعار الأراضي والمساكن، وارتفاع إيجارات العقارات التي ثبتت لنا جميعا آثارها السلبية في تكاليف الإنتاج والمعيشة طوال العقدين الماضيين.وأن من الآثار المحتملة لاستدامة مثل هذه المفارقة الكبيرة، تسببها في هروب الأموال والثروات الوطنية من العمل والإنتاج والتشغيل والتوظيف، قياسا على الأعباء والتكاليف الكبيرة التي تعترض طريقها، لتنضم مجبرة إلى المتاجرة والاكتناز والاحتكار في الأراضي والعقارات، كون التكاليف في تلك القنوات النائمة اقتصاديا لا تتجاوز 2.5 في المائة فقط. النتيجة الثانية: تتعلق بالمجتمع (أفراد، أسر)، وهو المكون الرئيس الذي استهدفت برامج وخطط التحول الهيكلي للاقتصاد الكلي، حماية الشرائح الاجتماعية ذات الدخل الأدنى والمتوسط من أي آثار مباشرة أو غير مباشرة في تكلفة معيشتها، ولهذا تم إقرار برنامج #حساب_المواطن للقيام بهذا الدور التنموي البالغ الأهمية.ولأجل تحقيق هذا الدور أو الهدف المنشود، كان لا بد من الأخذ في عين الاعتبار متغيرين اثنين على قدر عال من الأهمية، الأول ممثلا في قياس التضخم بشكل تفصيلي على مستوى أصحاب الدخل الأدنى والمتوسط، وعدم الاكتفاء بالمعدل العام، حيث أظهرت نتائج مراقبة التضخم خلال الفترة 2013 ـــ 2016 عدم تجاوزه كمعدل عام تراكمي نسبة 8.6 في المائة، إلا أنه أظهر في الوقت ذاته أن التغير في متوسط إنفاق الأسرة السعودية، ارتفاع معدل التضخم للشرائح الأدنى دخلا بنسب تجاوزت 24.1 في المائة، أي بما يتجاوز ثلاثة أضعاف المعدل العام، ما عنى بالضرورة القصوى أهمية أخذ تلك التفاصيل الدقيقة في عين الاعتبار عند احتساب البدل “التعويض” النقدي، الذي سيتم دفعه شهريا للمستفيدين من حساب المواطن. بينما تمثل المتغير الثاني في الضرورة اللازمة لاحتساب القروض المصرفية “استهلاكية، عقارية” ضمن معادلات حساب المواطن، التي تستقطع 35 في المائة أو أعلى من الدخل الشهري للمستفيدين لأعوام طويلة، والتركيز هنا على الدخل الفعلي المتاح لرب الأسرة، والحذر من إهمال هذا الجانب، كونه سيتسبب في حرمان شرائح واسعة من المواطنين المقترضين من دعم مستحق، سيكون لهم داعما مهما جدا في مواجهة الأعباء المعيشية المرتفعة مستقبلا. الخلاصة النهائية لكل ما تقدمت الإشارة إليه ودراسته تفصيليا؛ تنتهي إلى أهمية إعادة تحديد أولويات ومحاذير الخطوات والإجراءات كافة، التي تتعلق بتنفيذ برامج وخطط التحول الهيكلي، فتأخذ في عين الاعتبار الأدوار والمهام الموكلة إلى كل مكون من المكونات الثلاث الرئيسة “الحكومة، القطاع الخاص، المجتمع”، لتأتي كأولوية داعمة ومحفزة لأداء كل مكون، وفي الوقت ذاته أن تحذر من التسبب في إحداث ضغوط أو تأخير غير مقصود على أي منها، ما قد يؤدي بآثاره السلبية ـــ لا قدر الله ـــ إلى تعطيل تقدم البرامج والخطط بشكل عام، الذي قد يؤدي أيضا إلى إيجاد تحديات وتشوهات أكبر مما نحاول جميعا معالجته أو التخلص منه، وهو بكل تأكيد ما يحذر الجميع من الوقوع فيه أو التعرض له. والله ولي التوفيق. (0)