تناول موقع "برافدا.رو" بالتحليل تحذير السياسي البريطاني المخضرم مايكل هيزلتاين على خلفية بريكست -بان ألمانيا ستحصل سلميا على ما حرمت منه في الحرب العالمية الثانية. جاء في المقال: في يوم 25/مارس –آذار التقى القادة الأوروبيون في العاصمة الإيطالية روما، للاحتفال بمناسبة الذكرى السنوية الـ 60 للاتحاد الأوروبي، ولكن من دون بريطانيا. وعشية ذلك سمع صوت اللورد البريطاني هيزلتاين يحذر: الآن حصلت ألمانيا على فرصة كبيرة لتحقيق حلمها في الهيمنة الكاملة على أوروبا. والشيء الذي لم تحققه في الحرب العالمية الثانية، ستحصل عليه بالوسائل السلمية. الاحتفال بالذكرى الـ60 للاتحاد الأوروبي ميزته بعض التفاصيل الرمزية جدا. على سبيل المثال، الزعماء الأوروبيون الـ27 الذين اجتمعوا في روما، لم يقوموا بأي لفتة تعبر عن تضامنهم مع بريطانيا، التي تعرضت لهجوم إرهابي قبل يومين فقط من القمة الأوروبية. ويبدو هنا، أن الامر لا يحتاج إلى تمحيص: بريطانيا لم تشارك في احتفالات روما، وعلى العموم هي مغادرة للاتحاد الأوروبي. ولكن هذا التجاهل لمأساة لندن، من قبل زميلاتها، أمر مقصود. ومما يلفت الانتباه في لقاء القمة الأوروبي في روما، هو لقاء استقبال بابا الفاتيكان لمشاركي القمة الأوروبية. وهذه الواقعة شكلت بحد ذاتها بادرة رمزية، مما يضفي على المشروع الأوروبي بعدا روحيا، بل ودينيا، وهذا مهم من وجهة نظر موقف الاتحاد الأوروبي في العالم الحديث. وفي الوقت ذاته، يقترب موعد بدء الإجراءات الرسمية لمغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي "بريكست". وتعتزم لندن يوم الأربعاء 29/03/2017 وضع المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي –حيز التنفيذ. وعلى هذه الخلفية يلاحظ ازدياد الصرامة في تعامل بروكسل مع بريطانيا المنسحبة. وهكذا، فان كبار المسؤولين الأوروبيين الذين تخلوا على ما يبدو عن نوايا "معاقبة" البريطانيين، يؤكدون في ذات الوقت على أن موقف الاتحاد الأوروبي في المفاوضات مع لندن سيكون "قاسيا" و "خاليا من السذاجة". هذا العنوان، حول أن الاتحاد الأوروبي لن يكون "ساذجا" – تحول تقريبا إلى شعار رسمي بسبب تكراره المستمر من مختلف المسؤولين الأوروبيين، ومن بينهم رئيس المفوضية جان كلود يونكر. ولقد أولت الصحافة البريطانية هذه الحقيقة، اهتماما بالغا، في محاولة مدروسة تهدف إلى تهيئة الرأي العام البريطاني إلى أن عملية "بريكست"، واقعيا لن تخلو من الصراعات المؤلمة والمريرة. وفي هذا السياق، أحيط باهتمام كبير، التصريح المفاجئ لبطريرك السياسة البريطانية، السياسي المحافظ والبالغ من العمر 83 عاما، لورد هيزلتاين، الذي رسم صورة بعيدة المدى وقاتمة جدا للعواقب التي سيتمخض عنها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويتلخص المعنى الرئيسي لما قاله اللورد هيزلتاين- بأن "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يعني عمليا وضع أوروبا تحت رحمة ألمانيا. ومن الآن فصاعدا ستحصل برلين على فرصة لتوحيد قارة أوروبا تحت زعامتها الخاصة". وكما يعتقد اللورد هيزلتاين إن هذا هدف ألمانيا الاستراتيجي، الذي لم يتمكن هتلر من تحقيقه في الحرب العالمية الثانية، بينما تحققه ألمانيا الآن، بالوسائل السلمية، " ألمانيا خسرت الحرب، ولكن نحن نسلمها الانتصار سلميا" .كما قال هيزلتاين. ووفقا لمنطق هيزلتاين، فإن معنى التكامل الأوروبي، لا يكمن فقط في بناء أوروبا موحدة، بل أيضا بردع الطموحات الألمانية. ولعبت بريطانيا هنا الدور الرئيس دائما، حيث أن مشاركتها في الاتحاد أعطت الفرصة للحفاظ على التوازن الأوروبي. وخروج بريطانيا سوف يحرر ألمانيا من كافة القيود. وهذا يعني "خيانة" البريطانيين للأهداف والمثل العليا التي حاربوا من أجلها في الحرب العالمية الثانية، كما قال هيزلتاين. وفي نظرة تحليلية مقتضبة لما قاله هيزلتاين نلاحظ- حقيقة العودة الى النقاش السياسي الحالي مصطلحات وتعابير منطقية محددة ميزت مرحلة أواسط القرن الماضي. وذكريات مؤثرة وقعت قبل 60 عاما. وذكّر اللورد هيزلتاين الأوروبيين بالظروف التي ولد فيها المشروع الأوروبي، والأهداف التي جاء من أجلها. يتناول هيزلتاين مفهوم " التوازن الأوروبي" –وهو مفهوم قديم جدا، يختزل في طياته تشفيرا لكل تاريخ القارة العجوز: لقد أدى السعي الحثيث لتحقيق هذا "التوازن الأوروبي"، أن حارب الأوروبيون بعضهم بعضا لمئات و مئات السنين. وليس عبثا وعلى مدى تطور التكامل الاقتصادي -في البداية "السوق المشتركة" وبعدها"الاتحاد الأوروبي" أنه جرى طي مفهوم "التوازن" وإحالته إلى خانة النسيان. على اعتبار أن القضية لا تكمن في "التوازن"، بل في تحقيق "التكامل بين الحكومات الديمقراطية". ولعل هذا "التكامل" تحديدا قد أمن لأوروبا أطول فترة سلام في التاريخ، وكان هذا واحدا من "الشعارات الرسمية" لقمة روما الأوروبية. مرة أخرى حاول هيزلتاين تسليط الضوء على مفهوم "التوازن" المنسي، في محاولة منه للتحذير، بأن أشباح الماضي لم تذهب بعيدا، وأن التناقضات والأسباب التي أشعلت الحربين العالميتين لم يتم دفنها بعد، وتم الاحتفاظ بها في الثلاجة حتى يومنا هذا. ولكن اليوم مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ستنكسر آليات الضبط. لهذا لا تستغربوا لو كرر التاريخ ذاته بعد فترة من الزمان.كما حذر السياسي البريطاني. ولتقريب الصورة أكثر وتوضيح مغزى الحديث بدقة أكثر، يمكن الاستعانة بمعادلة أدولف هتلر الشهيرة في وصفه للسياسة الأوروبية: فرنسا تسعى لمنع هيمنة ألمانيا، وبريطانيا تسعى لعدم السماح في ظهور أي قوة مهيمنة في القارة الأوروبية. ولو حاولنا قراءة كلمات هيزلتاين مع أخذ معادلة هتلر، بعين الاعتبار سوف نرى أن كلماته – بمثابة تحذير صريح للغاية موجه إلى ألمانيا : نعم بريطانيا خرجت من الاتحاد الأوروبي، وفقدنا قوة الردع الملزمة لبرلين. ولكننا لم ننسَ دروس الماضي، وأن الهيمنة الألمانية على القارة الأوروبية، بالنسبة لنا ليست مقبولة. وسوف نستخدم آليات وأساليب وتقنيات أخرى للحيلولة دون ذلك.