إن أكثر ما يسعى أو يحلم به الإنسان ، هو أن يكون حراً وسعيداً، حراً في حياته ، وفي اعتناق ما يشاء من الأفكار والقناعات، وفي سبيل حريته وسعادته بذل الإنسان الكثير وعمل وأنجز ووضع الكثير من القوانين والدساتير (يصير الإنسان سعيداً إذا ما كفلت حريته، فالمفهومان مترابطان غالباً)، من هنا جاء تقديرنا لمسألة إبداء الرأي لأن أكثر ما نفتقده في حياتنا الثقافية الراهنة هو الرأي الحر الموضوعي بطبيعة الحال، هذا أولاً، أما ثانياً فلأننا جميعاً مطالبون في هذه الحياة باتخاذ موقف ما من كل ما يمر بنا أو نتعامل معه أو نقرؤه أو نراه. إن اتخاذك لموقف ما، سلبياً أو إيجابياً، قبولاً أو رفضاً يحدد المكان الذي ستقف فيه ، هل ستكون مع هذا الذي مر بك أم ضده؟ هل ستشجع غيرك على قراءة الرواية أم لا؟ هل ستناصر ذاك الشخص أم ستكون متفرجاً؟ هل سترشح ذلك الكتاب لأطفالك أم لا؟؟ إن وعيك الشامل والقائم على التعامل المباشر مع الأشخاص أو المواقف، وقراءتك المتعمقة للكتب والروايات المعروضة والمرشحة، أو حتى الفائزة بجوائز عالمية، تمنحك مقدرة واستعداداً للحكم على الأشياء، وهذا يحملك مسؤولية حقيقية، مسؤولية الدليل الذي لا يكذب أهله، إن الوعي هو أحد الأسباب الرئيسة التي تضع عليك مسؤولية إبداء رأي بحرص وأدب ووعي، فتحفظ حقك، وتحترم حقوق الآخرين! وعليه يحق في الختام أن أستحضر حكاية حصلت لي وهي ترتبط بكل ما سبق، كنت قد انتهيت أخيراً من قراءة واحدة من الروايات المدرجة على القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية العالمية (البوكر)، وقد فكرت أن أكتب رأياً أدبياً عاماً حولها علّه - أي هذا الرأي - يكون دليلاً يساعد من يريد أن يقرأها، ثم أنها كانت من الأعمال الأدبية العربية القليلة - إن لم تكن النادرة - التي تمس مساً مباشراً، بل وفجاً إحدى الثيمات الأخلاقية المسكوت عنها في حياتنا وحديثنا اليومي! حين باشرت بالفعل وكتبت إشارة عابرة، لكنها تكفي وتؤدي الغرض، فإذا بأصدقاء وصديقات يتواصلون معي طالبين مني مسح ما كتب؛ حتى لا يغضب فلان أو علان، وحتى لا نخسر فلاناً وحتى وحتى.. وطبعاً لكل أسبابه وأسباب الامتناع عن إبداء الرأي وإن تعددت تدور حول مسألة محورية واحدة: الخوف من أو على فقدان المصالح والعلاقات، وهذا لب الصراع الأزلي في موضوع الحرية والسعادة!