يقول الاصمعي: "رأيت بدوية من احسن الناس وجها، ولها زوج قبيح، فقلت؛ ياهذه، اترضين ان تكوني زوجا لهذا؟ فقالت؛ لعله احسن فيما بينه وبين ربه، فجعلني ثوابه واسأت فيما بيني وبين ربي، فجعله عقابي، افلا ارضى بما رضى الله لي؟" لاشك ان منطق هذه المرأة البدوية، ينطوي على حكمة، لكنها اتتها متأخرة، كونها ارتكبت خطأ ما، سواء كانت تقصده او لا، فترتبت عليها عقوبة دنيوية، جعلها الله في صورة هذا الزوج القبيح، الذي ارتضت به، بعد ان نضجت وادركت خطأها لاحقا، وهي تشعر بالرضا لانها تقضي معه "عقوبة" قررتها عليها الارادة الالهية، او هكذا تعتقد. وفي العموم، ان ما قالته هذه البدوية، يعد ايضا درسا اخلاقيا كبيرا، يمكن تطبيقه على السياسة، لان حوادث كثيرة في التاريخ تتقارب مع تلك الواقعة الصغيرة والفردية. فالشعوب في خضم حماستها واندفاعها في بعض المراحل، تقع تحت سطوة مشاعر وجدانية حادة، تغيّب الرؤية الصحيحة وتدفعها باتجاه صناعة واقع سياسي، يشكل فيما بعد مأزقا لها، وتضطر لدفع اثمان باهظة في محاولتها التخلص منه. وفيما يخصنا، كعراقيين، يعتقد كثيرون، ان الناس في خضم حماستهم التي اسهمت في صناعتها اسباب مختلفة بعد العام 2003 انتخبوا من لا يصلح لتمثيلهم، وبعد حين وجدوا انفسهم في مأزق لم يستطيعوا الخروج منه، لان هؤلاء احكموا قبضتهم على المال والكراسي معا، وبات من الصعب التخلص منهم، او من معظمهم، ولعل حالنا اليوم يشبه حال تلك البدوية التي ندبت حظها بصيغة اجابة، لا نجد ان مطلعها المتعلق باحسان زوجها الى ربه، ينطبق على ساستنا. الشيء المثير للدهشة والغرابة، ان جميع القوى السياسية التي اسهمت في صنع هذا المأزق التاريخي الذي نتخبط به، تتحدث عن ضرورة مساعدة الشعب لها في الانتخابات القادمة، لكي تنهض بالبلاد وتقضي على الفاسدين! وتستمع الناس باستمرار، عبر الاعلام، الى هذا القول على لسان اكثر من سياسي او قائد حزب في مناسبات مختلفة، وهو امر يثير السخرية والالم في الوقت نفسه، لان الجميع يسعى الى تبرئة نفسه من تهمة تخريب العراق ونهب المال العام، وبذلك ضاع حق الشعب بين القبائل او الاحزاب الحاكمة. فهل سيتمكن العراقيون من مساعدة الساسة هؤلاء واستعادة حقهم وتخليص العراق من الفاسدين؟ نحن نقول نعم، يستطيعون اذا ما اصروا على مطالبهم باعادة تشكيل مفوضية الانتخابات وقانونها المجحف، وضمان وصول المستحقين لمجلس النواب وليس غيرهم، واجراء مصالحة وطنية حقيقية تجنب البلاد المزيد من التوترات وحالة القلق وعدم الثقة، لاسيما بعد الانتهاء من ملف داعش، وهو ما سيحصل قريبا. وبذلك تدخل البلاد مرحلة جديدة، يكون الشعب مسؤولا فعلا عن وصول من يمثله في البرلمان والحكومة معا. وتكون الحكومة بكامل حلقاتها مسؤولة عن انهاء ملف الفساد وكشف الفاسدين، الذين قد يكونوا من غير الذين حكموا العراق منذ العام 2003 ويظهر انهم مظلومون! وهكذا ينهي الشعب العراقي مدة "عقوبته" التي قررها على نفسه ولم يقررها عليه ربه، وحاشى الله ان يكون ظالما لعباده. فالشعب العراقي ليس كالبدوية، ولكنه مثلها، صار يعرف تماما اسباب "عقوبته" التي امتدت كل هذه السنين، مع ان البدوية تركت الامر للظن بقولها.. ربما اسأت الى ربي! ولو تخيلناها تعيش في عراق اليوم، وانها ذهبت الى الانتخابات ثم اصيبت بخيبة كخيبة غالبية العراقيين، فما الذي ستفعله في المرة القادمة؟ لا شك انها ستستخدم حكمتها وتنتخب غير الذين انتخبتهم، وبذلك فانها تكون قد اكملت عقوبتها خلال السنوات الاربع التي عاشتها معهم، لانهم ليسوا قدرها كالزوج القبيح، ومن ثم تكون قد بدأت حياتها من جديد. لا شك انها مشكلة كبيرة، فاكثر الذين يتذمرون اليوم من افعال اهل السياسة والمسؤولين هم من انتخبوهم، وكل الذي يفعلونه عند كل دورة انتخابية، انهم يغيّرون بعض الوجوه، بعد ان يخذلهم قانون الانتخابات وتغريهم الشعارات البراقة والكلام المعسول في الحملات الانتخابية، وينسون البرامج، وحتى هذه الاخيرة، ان وجدت فان الذين يطرحونها لا يحملون الثقافة التي تسعفهم لتطبيقها، بمعنى ان مشكلة الناس مع الواقع السياسي الراهن، جوهرية، ولا تتعلق بالتفاصيل فقط، وبذلك صار "زواجنا" من ساسة اليوم عقوبة طويلة، نحتاج فعلا الى بدوية حكيمة لتنهها بواسطة انتخابات نزيهة، تسبقها اصلاحات، حتما! عبدالأمير المجر